nareen
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» Create New BBCodes with new LGBB
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالثلاثاء أغسطس 06, 2013 8:46 am من طرف N@r33N

» قصص و حكايات
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالخميس يونيو 27, 2013 5:38 pm من طرف N@r33N

»  تحويل القبلة عبر و حكم
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالأربعاء يونيو 19, 2013 4:01 pm من طرف N@r33N

» الموعظة الحسنة
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالأربعاء يونيو 19, 2013 3:50 pm من طرف N@r33N

» والله لو أنَّ القُلوبَ سَليمةٌ / لتَقطَّعت أسفاً مـن الحرمَانِ !
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالإثنين يونيو 17, 2013 3:36 am من طرف N@r33N

» Summer Wars | 400p + 720p |
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالأحد يونيو 16, 2013 5:45 am من طرف N@r33N

» حديث ضعيف
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالأحد يونيو 16, 2013 4:58 am من طرف N@r33N

» ثق بربك الذي لا يعجزه شئ في الأرض و لا في السماء
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالأربعاء أبريل 17, 2013 10:42 am من طرف N@r33N

» صلاة الفجر تشكو الى الله
فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالإثنين مارس 18, 2013 11:45 pm من طرف N@r33N

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط nareen على موقع حفض الصفحات
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو N@r33N فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 235 مساهمة في هذا المنتدى في 126 موضوع

 

 فوائد من جامع العلوم و الحكم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
N@r33N
Admin
N@r33N


لوني المفضل : أرجواني
♣ مشَارَڪاتْي » : 235
♣ التسِجيلٌ » : 23/01/2013

فوائد من جامع العلوم و الحكم Empty
مُساهمةموضوع: فوائد من جامع العلوم و الحكم   فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالثلاثاء يناير 29, 2013 10:28 am









إنَّ الحمدَ للهِ ، نحمده ونستعينُ به ونستغفره ، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا ، مَن يهـدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضلِل فلا هادىَ له ، وأشهدُ أنْ لا إله إلاَّ اللهُ وحده لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسوله .

وبعـد ،،

فسَـلامُ اللهِ عليكُـم ورحمتُه وبركاتُـه ،،

سيكون هذا الموضوع مشتركاً ما بيني وبين الأخت الفاضلة
( حلم الأماني )
صاحبة الفكرة
فجزاها الله عنا وعنكم خير الجزاء



~ من روائع ( ابن عثيمين ) في ( شرح رياض الصالحين ) ~


فيها روائـعَ و دُررَ و فوائـدَ مِن كلامِ شيخنا ابن عُثيمين رحمه الله تعالى ..





وتتوالى الـدُّرر و الـروائــع .. ونعيشُ هُـنـا مع روائـع جديـدة ، لكنَّها هـذه المَرَّة لأحـد المُتقدِّمين ،، إنَّـه الإمام : ( ابنُ رَجَب الحنبلىّ ) رحمه اللهُ تعالى .... نعيشُ مع فوائـدَ و روائـعَ نستقيها مِن كتابه : ( جامِـع العلـوم والحِكَـم ) ..


والكتابُ كُلُّه فوائـد .. لكنِّي أتيتُ على بعضها ، ومَن أراد المزيـد ، فليرجِـع للكتاب .. وبالإمكان تحميله مُباشرةً مِن هُنا :







والقراءةُ في كُتب العُلماء - خاصةً المُتقدِّمين منهم - مُتعـة ، فمنها نُحَصِّل ما لا نستطيعُ تحصيلَه مِن غيرها .





فـ تابِعوا معي اخوتي - أخواتي - هـذه الـدُّرر والفوائِـد

،






يتبع مع الأخت حلم الأماني .........

...

~ [ فوائـد ] من [ جامــع العلـوم والحِكَـم ] ~











~◘ الحـديـثُ الأول ◘~
------
عن أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول : (( إنما الأعمالُ بالنيات ، وإنما لِكُلِّ امرئٍ ما نوى ، فمَن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِه ، ومَن كانت هجرتُه لدُنيا يُصيبها أو امرأةٍ يَنكحها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه )) رواه البخارىُّ ومُسلم .
قال عبد الرحمن بن مهدى : ‹‹ لو صنَّفتُ الأبوابَ لجعلتُ حديثَ عُمَر في الأعمال بالنيَّـة في كل باب ›› .. وعنه أنه قال : ‹‹ من أراد أن يُصنِّفَ كِتابًا ، فليبدأ بحديث (( الأعمال بالنيات )) ›› .

وهذا الحديثُ أحد الأحاديث التي يدور الدينُ عليها .. فرُوى عن الشافعي أنه قال : ‹‹ هذا الحديث ثُلث العلم ، ويدخل في سبعين بابًا من الفقه ›› .

وعن الإمام أحمد قال :‹‹ أصولُ الإسلام على ثلاثةِ أحاديث : حديث عمر (( الأعمالُ بالنيات )) ،، وحديث عائشة (( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ )) ،، وحديث النعمان بن بشير (( الحلالُ بَيِّن والحرامُ بَيِّن )) ›› .

وعن إسحاق بن راهَوَيْه قال : ‹‹ أربعةُ أحاديثٍ هي من أصول الدين : حديثُ عمر (( إنما الأعمالُ بالنيات )) ،، وحديثُ (( الحلالُ بَيِّن والحرامُ بَيِّن )) ،، وحديثُ (( إنَّ خلقَ أحدِكم يُجمَعُ في بطن أمِّه )) ،، وحديثُ (( مَن صَنَعَ في أمرنا شيئًا ليس منه فهو رد )) ›› .

ورَوى عثمانُ بن سعيد عن أبي عُبيدٍ قال :
‹‹ جَمَعَ النبىَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جميعَ أمر الآخرة في كلمة (( مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدّ )) ،، وجَمَعَ أمرَ الدنيا كُلَّه في كلمة (( إنما الأعمالُ بالنيات )) يدخلان في كل باب ›› .

قال الإمامُ أحمد في رواية حنبل : ‹‹ أُحِبُّ لِكُلِّ مَن عَمِلَ عملاً مِن صلاةٍ أو صيامٍ أو صدقةٍ أو نوعٍ من أنواع البِرِّ أن تكون النية متقدمةً في ذلك قبل الفِعل ، قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( الأعمالُ بالنيات )) ›› .




وعن يحيى ابن أبي كثير قال : ‹‹ تعلَّموا النية ، فإنها أبلغ من العمل ›› .

وعن زُبَيْـد اليامي قال : ‹‹ إنى لأُحِبُّ أن تكون لي نيةٌ في كُلِّ شيءٍ ، حتى في الطعام والشراب ›› .

وعن سُفيان الثورىِّ قال : ‹‹ ما عالجتُ شيئًا أشدَّ عَلَىَّ مِن نِيَّتي ، لأنها تتقلَّبُ عَلَىَّ ›› .

وعن مُطَرِّف بن عبد الله قال : ‹‹ صلاحُ القلب بصلاح العمل ، وصلاحُ العمل بصلاح النيَّة ›› .

وعن بعض السلف قال : ‹‹ مَن سَرَّه أن يَكْمُلَ له عملُه ، فليُحسن نيته ، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ يأجرُ العبدَ إذا حسن نيته ، حتى باللقمة ››.

وعن ابن المبارك قال : ‹‹ رُبَّ عملٍ صغيرٍ تُعَظِّمُه النية ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصَغِّره النية ›› .

والنيَّـةُ في كلام العلماء تقعُ بمَعنيين : -
- أحدهما : بمعنى تمييز العبادات بعضها عن بعض ؛ كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلا ، وتمييز صيام رمضان من صيام غيره .. أو تمييز العبادات من العادات ؛ كتمييز الغُسل من الجنابة من غسل التبرُّد والتنظُّف ، ونحو ذلك .... وهـذه النية هي التي توجد كثيرًا في كلام الفقهاء في كتبهم .

- والمعنى الثاني : بمعنى تمييز المقصود بالعمل ، وهل هو لله وحده لا شريك له ، أم غيره ، أم الله وغيره .... وهـذه النية هى التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه ، وهي التي توجد كثيرًا في كلام السلف المتقدِّمين .

والنيَّـةُ : هي قصد القلب ، ولا يجب التلفظ بما في القلب في شيءٍ من العبادات .




~ [ فوائـد ] من [ جامــع العلـوم والحِكَـم ] ~












وبهذا يُعلَمُ معنى ما رُوى عن الإمام أحمد أنَّ أصولَ الإسلام ثلاثةُ أحاديث : حديث (( الأعمال بالنيات )) ، وحديث (( مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدّ )) وحديث ، (( الحلالُ بَيِّن والحرامُ بَيِّن )) .. فإنَّ الدينَ كُلَّه يَرجعُ إلى فِعل المأمورات ، وترك المحظورات والتوقف عن الشبهات ،، وهذا كلُّه تضمَّنه حديثُ النعمان بن بشير .. وإنما يتم ذلك بأمرين :


- أحدهما : أن يكون العملُ في ظاهره على مُوافقة السُّنَّة وهذا هو الذي تضمَّنه حديثُ عائشة (( مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدّ )) .

- والثاني : أن يكون العملُ في باطنه يُقصَدُ به وجه اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كما تضمَّنه حديثُ عمر (( الأعمالُ بالنيات )) .


وقال الفُضيلُ في قوله تعالى : (( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )) الملك/2 ، قال : أخلصه وأصوبه .. وقال : ‹‹ إنَّ العملَ إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل ، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل ، حتى يكون خالصًا صوابًا ›› ، قال : ‹‹ والخالِصُ إذا كان لله عَزَّ وَجَلَّ ، والصوابُ إذا كان على السُّنَّة ›› ..

وقد دَلَّ على هذا الذي قاله الفُضيل قولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحَدًا )) الكهف/110 .

فأخبر النبىُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أنَّ هذه الهجرةَ تختلفُ باختلاف النيِّات و المَقاصِد بها ، فمَن هاجر إلى دار الإسلام حُبُّاً لله ورسوله ، ورغبةً في تعلُّم دين الإسلام وإظهار دينه ، حيث كان يعجز عنه في دار الشِّرك ، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله حقا ، وكفاه شرفًا وفخرًا أنَّه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله .. ولهذا المعنى اقتصر في جواب الشرط على إعادته بلفظه ، لأنَّ حصولَ ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة .. ومَن كانت هجرتُه من دار الشِّرك إلى دار الإسلام ليطلب دنيا يُصيبها ، أو امرأةً يَنكحها في دار الإسلام ، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه من ذلك .. فالأول تاجر ، والثاني خاطب ، وليس واحدٌ منهما بمهاجر .

وفي قوله Sad( إلى ما هاجر إليه )) : تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدنيا ، واستهانةٌ به حيث لم يذكره بلفظه .. وأيضًا فالهجرةُ إلى الله ورسوله واحدةٌ فلا تعدُّدَ فيها ، فلذلك أعاد الجوابَ فيها بلفظ الشرط .. والهجرةُ لأمور الدنيا لا تنحصر ، فلذلك قال : (( فهجرتُه إلى ما هاجر إليه )) يعني كائنًا ما كان .

قال ابن مسعود : ‹‹ لا تعلَّموا العِلمَ لثلاث لتُماروا به السُّفهاء ، أو لتُجادِلوا به الفُقَهاء ، أو لتصرفوا به وجوهَ الناسِ إليكم ، وابتغوا بقولكم وفِعلكم ما عند الله ، فإنه يبقى ويَذهبُ ما سواه ›› .

~ [ فوائـد ] من [ جامــع العلـوم والحِكَـم ] ~











الحـديـثُ الثـانـي ◘~

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا قال : (( بينما نحنُ جلوسٌ عند رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياض الثياب شديدُ سوادِ الشعر ، لا يُرَى عليه أثرُ السفر ، ولا يعرفه مِنَّا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : الإسلامُ أنْ تشهدَ أنْ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتُقيمَ الصلاة ، وتُؤتىَ الزكاة ، وتصومَ رمضان ، وتَحُجَّ البيتَ إنْ استطعتَ إليه سبيلاً ، قال : صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ، قال : أنْ تُؤمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ، قال : صدقت ، قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، قال : فأخبرني عن الساعة ، قال : ما المسئولُ عنها بأعلمَ مِن السائل ، قال : فأخبرني عن أماراتها ، قال : أنْ تلدَ الأمَةُ رَبَّتَها ، وأن ترى الحُفاةَ العُراةَ العالةَ رِعاءَ الشَّاءِ يتطاولون في البنيان ، ثم انطلق فلبث مليًا ، ثم قال : يا عمر ، أتدري من السائل ؟ قلتُ : اللهُ ورسولُه أعلم ، قال : هذا جبريل أتاكم يُعلِّمكم دينكم )) رواه مسلم .


إذا أُفرِدَ كُلٌّ مِن الإسلام والإيمان بالذكر ، فلا فرق بينهما حينئذٍ ،، وإنْ قُرِنَ بين الاسمين كان بينهما فرق ..
والتحقيقُ في الفرق بينهما أنَّ : الإيمان هو تصديقُ القلب وإقراره ومعرفته ،، و الإسلام هو استسلامُ العبد لله وخضوعه وانقياده له ، وذلك يكون بالعمل ، وهو الدين ، كما سَمَّي اللهُ تعالى في كتابه "الإسلامَ" "دينـًا" .. وفي حديث جبريل سَمَّي النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - الإسلامَ والإيمانَ والإحسانَ دينـًا ، وهذا أيضًا مما يدل على أنَّ أحدَ الاسمين إذا أُفرِدَ دخل فيه الآخر ، وإنما يُفَرَّقُ بينهما حيث قُرِنَ أحدُ الاسمين بالآخر ... فيكونُ حينئذٍ المُراد بالإيمان : جِنس تصديق القلب وبالإسلام : جِنس العمل .


قال المُحققون من العلماء : ‹‹ كُلُّ مُؤمنٍ مُسلم ›› فإنَّ مَن حَقَّقَ الإيمانَ ورسخ في قلبه قام بأعمال الإسلام ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( ألا وإنَّ في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كُلُّه ، وإذا فسدت فسد الجسد كُلُّه ، ألا وهي القلب )) .. فلا يتحقق القلبُ بالإيمان إلاَّ وتنبعث الجوارحُ في أعمال الإسلام .. و ‹‹ ليس كُلُّ مُسلمٍ مُؤمنًا ››.. فإنَّه قد يكونُ الإيمانُ ضعيفًا ، فلا يتحقق القلب به تحقيقًا تامَّاً مع عمل جوارحه بأعمال الإسلام ، فيكونُ مُسلمًا ، وليس بمُؤمنٍ الإيمانَ التام كما قال تعالى : (( قَالتِ الأعرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُل الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُم )) الحجرات/14 .

يدخلُ في أعمال الإسلام : إخلاصُ الدين لله تعالى ، والنُّصح له ولعباده ، وسلامةُ القلب لهم مِن الغش والحسد والحقد وتوابع ذلك من أنواع الأذى .. ويدخل في مسمى الإيمان : وَجَلُ القلوب مِن ذكر الله ، وخشوعها عند سماع ذكره وكتابه ، وزيادة الإيمان بذلك ، وتحقيق التوكل على الله ، وخوف الله سرًا وعلانية ، والرضا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - رسولاً ، واختيار تلف النفوس بأعظم أنواع الآلام على الكفر ، واستشعار قرب الله من العبد ، ودوام استحضاره ، وإيثار محبة الله ورسوله على محبة ما سواهما ، والمحبة في الله والبغض في الله ، والعطاء له والمنع له ، وأن يكون جميع الحركات والسكنات له ، وسماحة النفوس بالطاعة المالية والبدنية ، والاستبشار بعمل الحسنات والفرح بها ، والمُساءة بعمل السيئات والحزن عليها ، وإيثار المؤمنين لرسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - على أنفسهم وأموالهم ، وكثرة الحياء ، وحُسن الخلق ، ومحبة ما يحبه لنفسه لإخوانه المؤمنين ، ومُواساة المؤمنين ، خصوصًا الجيران ، ومعاضدة المؤمنين ومناصرتهم ، والحزن بما يحزنهم .


قال بعض العارفين : ‹‹ اتقِ اللهَ أنْ يكونَ أهونَ الناظرين إليك ›› .

وقال بعضهم : ‹‹ خَف الله على قدر قدرته عليك ، واستحِ منه على قدر قربه منك ›› .

وقال مسلم بن يسار : ‹‹ ما تلذذ المتلذذون بمِثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل ›› .

وعن إبراهيم بن أدهم قال : ‹‹ أعلى الدرجاتِ أن تنقطع إلى ربِّك ، وتستأنس إليه بقلبك وعقلك وجميع جوارحك ، حتى لا ترجوا إلا ربَّك ، ولا تخاف إلا ذنبك ، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئًا ، فإذا كنتَ كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنت أو في بحرٍ أو في سهلٍ أو في جبل ، وكان شوقك إلى لقاء الحبيب شوقَ الظمآن إلى الماءِ البارد ، وشوقَ الجائع إلى الطعام الطيب ، ويكون ذِكرُ الله عندك أحلى من العسل ، وأحلى من الماء العذب عند العطشان في اليوم الصائف ›› .




~ [ فوائـد ] من [ جامــع العلـوم والحِكَـم ] ~












~◘ الحـديـثُ الثالـث ◘~
عن أبي عبد الرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قال : (( سمعتُ رسولَ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يقول : بُنِىَ الإسلامُ على خمس : شهادة أنْ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحَجِّ البيت ، وصوم رمضان )) رواه البخارىُّ ومسلم .

في حديث معاذ بن جبل : (( إنَّ رأسَ الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سِنامه الجهاد )) صحيح .. وذروة سِنامه : أعلى شيء فيه ، ولكنه ليس من دعائمه وأركانه التي بُنِىَ عليها ، وذلك لوجهين :

- أحدهما : أنَّ الجهادَ فرضُ كِفايةٍ عند جمهور العلماء ليس بفرض عين ، بخلاف هذه الأركان .

- والثاني : أنَّ الجهادَ لا يستمر فِعلُه إلى آخر الدهر ، بل إذا نزل عيسى عليه السلام ولم يبقَ حينئذٍ مِلَّةٌ غير مِلَّة الإسلام ، فحينئذٍ تضعُ الحربُ أوزارها ، ويُستغنَي عن الجهاد ، بخلافِ هذه الأركان فإنها واجبة على المؤمنين إلى أن يأتي أمرُ الله وهم على ذلك ، والله أعلم .














~◘ الحديثُ الرابـع ◘~
عن أبي عبد الرحمن عبدالله بن مسعودٍ رضى الله عنه قال : ((
حدثنا رسولُ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وهو الصادقُ المصدوق : إنَّ أحدكم يُجْمَعُ خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ، ثم يكونُ علقةً مِثلَ ذلك ، ثم يكونُ مُضغةً مِثلَ ذلك ، ثم يُرسَلُ إليه المَلَكُ فيَنفخُ فيه الروح ، ويُؤمَرُ بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقىٌّ أو سعيد ، فو اللهِ الذي لا إله غيرُه إنَّ أحدكم ليعملُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكونُ بينه وبينها ذراع فيَسبقُ عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكونُ بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )) رواه البخارىُّ ومسلم .
وقد قيل : إنَّ قوله في آخر الحديث (( فو اللهِ الذي لا إله غيره ، إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة )) إلى آخر الحديث مُدرَج مِن كلام ابن مسعود ، كذلك رواه سَلَمَةُ بن كهيل عن زيد بن وهب عن ابن مسعود من قوله ، وقد رُوِىَ هذا المعنى عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - من وجوهٍ مُتعددة .
قال عبد العزيز بن أبي رَوَّاد :
‹‹ حضرتُ رجلاً عند الموت يُلَقَّنُ "لا إله إلا الله" ، فقال في آخر ما قال : هو كافرٌ بما تقول ، ومات على ذلك ›› .. قال : ‹‹ فسألتُ عنه ، فإذا هو مُدمِنُ خمر ›› .
وكان عبد العزيز يقول : ‹‹ اتقوا الذنوب ، فإنها هي التي أوقعته ››.

وفي الجملة : فالخواتيمُ مِيراثُ السوابق ، كُلُّ ذلك سبق في الكتاب السابق ، ومِن هُنا كان يشتدُ خوفُ السَّلَفِ مِن سُوءِ الخواتيم ، ومنهم مَن كان يقلقُ مِن ذِكر السوابق .. وقد قيل : إنَّ قلوبَ الأبرار مُعلَّقةٌ بالخواتيم ، يقولون : بماذا يُختَمُ لنا ؟ وقلوبَ المُقرَّبين مُعلَّقةٌ بالسوابق ، يقولون : ماذا سبق لنا ؟ وبكى بعضُ الصحابةِ عند موته ، فسُئِلَ عن ذلك فقال : سمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول : (( إنَّ اللهَ تعالى قبضَ خلقه قبضتين ، فقال : هؤلاء في الجنة ، وهؤلاء في النار )) ، ولا أدري في أىّ القبضتين كنتُ ؟ صحيح : مُسند أحمد ، الصحيحة .


قال بعضُ السلف : ‹‹ ما أبكى العيونَ ما أبكاها الكتابُ السابق ›› .

وقال سفيانُ لبعض الصالحين : ‹‹ هل أبكاك قط علمُ الله فيك ؟ فقال له ذلك الرجل : تركني لا أفرحُ أبدًا ›› .

وكان سفيان يشتد قلقُه من السوابق والخواتم ، فكان يبكي ويقول : ‹‹ أخافُ أنْ أكونَ في أمِّ الكتاب شقيًا ›› ، ويبكي ويقول : ‹‹ أخافُ أنْ أُسلَبَ الإيمان عند الموت ›› .

وكان مالِكُ بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته ويقول : ‹‹ يا ربِّ قـد علمتَ ساكنَ الجنةِ مِن ساكنِ النار ، ففي أىّ الدارين منزلُ مالِك ؟ ›› .

وقال حاتم الأصم : ‹‹ مَن خلا قلبُه مِن ذِكر أربعةِ أخطار فهو مُغتَرٌّ فلا يأمنُ الشقاء : - الأول : خطر يوم الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي ، فلا يعلمُ في أىّ الفريقين كان .. والثاني : حين خُلِقَ في ظلماتٍ ثلاث فنادى الملك بالسعادة والشقاوة ، ولا يدري أمِن الأشقياء هو أم مِن السُّعَداء ؟ .. والثالث : ذِكر هَول المَطلع ، ولا يدري أيُبشَّرُ برضا الله أو بسَخَطِهِ ؟ .. والرابع : يوم يَصدرُ الناسُ أشتاتًا ، ولا يدري أىّ الطريقين يُسلك به ›› .

وقال سهل التسترى : ‹‹ المُريدُ يخافُ أن يُبتلَى بالمعاصي ، والعارِفُ يخافُ أن يُبتلَى بالكفر ›› .


ومِن هُنا كان الصحابةُ ومَن بعدهم مِن السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاقَ ، ويشتد قلقهم وجزعهم منه ، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاقَ الأصغر ، ويخاف أن يَغلب ذلك عليه عند الخاتمة ، فيُخرجه إلى النفاق الأكبر ، كما تَقَدَّمَ أنَّ دسائسَ السوء الخلفية تُوجب سوء الخاتمة ،، وقد كان النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يُكثِرُ أن يقولَ في دعائه Sad( يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك )) فقيل له : يا نبىَّ الله ، آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ فقال : (( نعم ، إنَّ القلوبَ بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يُقلِّبُها كيف شاء )) خرجه الإمام أحمد والترمذىّ من حديث أنس .














~◘ الحديثُ الخامِس ◘~


عن أم المؤمنين أم عبدالله عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ )) رواه البخاري ومسلم ،، وفي روايةٍ لمسلم : (( مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدّ )) .
◘---♦️---•---♦️---•---♦️---•---♦️---◘
◘---♦️---•---♦️---•---♦️---•---♦️---◘
وهذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الإسلام ، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها ، كما أنَّ حديث
(( الأعمال بالنيات )) ميزانٌ للأعمال في باطنها .. فكما أنَّ كُلَّ عمل لا يُرادُ به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب ، فكذلك كُلُّ عملٍ لا يكون عليه أمرُ الله ورسوله فهو مردود على عامله .. وكُلُّ مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شئ .

فالمعنى إذًا : أنَّ مَن كان عمله خارجًا عن الشرع ليس متقيدًا بالشرع فهو مردود .. وقوله (( ليس عليه أمرنا )) : إشارةٌ إلى أنَّ أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة ، فتكون أحكامُ الشريعة حاكمةً عليها بأمرها ونهيها ، فمَن كان عمله جاريًا تحت أحكام الشريعة مُوافقًا لها فهو مقبول ، ومَن كان خارجًا عن ذلك فهو مردود .

والأعمالُ قِسمان : عِبادات و مُعاملات :
فأما ([ العبادات ]) : فما كان منها خارجًا عن حُكم الله ورسوله بالكلية فهو مردودٌ على عامله ، وعاملُه يدخل تحت قوله تعالى Sad( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ )) الشورى/21 ،، فمَن تقرَّبَ إلى الله بعملٍ لم يجعله اللهُ ورسولُه قُربةً إلى الله فعملُه باطلٌ مردودٌ عليه ، وهو شبيهٌ بحال الذين كانت صلاتُهم عند البيت مُكاءً وتصدية ، وهذا كمَن تقرَّبَ إلى الله تعالى بسماع الملاهي أو بالرقص أو بكشف الرأس في غير الإحرام وما أشبه ذلك من المحدَثات التي لم يَشرع اللهُ ورسولُه التقرُّبَ بها بالكلية .. وليس ما كان قربةً في عبادةٍ يكون قربةً في غيرها مطلقًا ، فقد رأى النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - رجلاً قائمًا في الشمس فسأل عنه ، فقيل : إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم ، فأمره النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أن يقعد ويستظل وأن يُتِمَّ صومَه . رواه البخارىُّ ،، فلم يجعل قيامَه وبروزَه في الشمس قُربةً يوفي بنذرهما .. وقد رُوِىَ أنَّ ذلك كان في يوم جمعةٍ عند سماع خطبة النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وهو على المنبر ، فنذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ما دام النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يخطب ، إعظامًا لسماع خُطبة النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ولم يجعل النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ذلك قُربةً تُوفي بنذره ، مع أنَّ القيامَ عِبادةٌ في مواضع أُخَر : كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة ، والبُروز للشمس قُربةٌ للمُحْرِم ، فدلَّ على أنه ليس كل ما كان قُربةً في موطن يكون قُربةً في كل المواطن ، وإنما يتبع في ذلك كله ما وردت به الشريعةُ في مواضعها ..
وكذلك مَن تقرَّبَ بعبادةٍ نُهِىَ عنها بخصوصها كمَن صام يومَ العيد ، أو صلَّى وقت النهي ..


وأما مَن عمل عملاً أصلُه مشروعٌ وقُربة ، ثم أدخل فيه ما ليس بمشروع ، أو أخلَّ فيه بمشروع فهذا أيضا مخالفٌ للشريعة بقدر إخلاله بما أخلَّ به ، أو إدخاله ما أدخل فيه ..وهل يكون عمله من أصله مردودًا عليه أم لا ؟ فهذا لا يطلق القول فيه برَدٍّ ولا قبول ، بل يُنظر فيه : فإنْ كان ما أخلَّ به مِن أجزاء العمل أو شروطه مُوجبًا لبُطلانه في الشريعة ؛ كمَن أخلَّ بالطهارة للصلاة مع القدرة عليها ، أو كمَن أخلَّ بالركوع أو بالسجود أو بالطمأنينة فيهما ، فهذا عمله مردودٌ عليه ، وعليه إعادته إن كان فرضًا ،، وإن كان ما أخلَّ به لا يُوجب بُطلان العمل ؛ كمَن أخلَّ بالجماعة للصلاة المكتوبة عند مَن يُوجبها ولا يجعلها شرطًا ، فهذا لا يُقال إنَّ عمله مردودٌ مِن أصله ، بل هو ناقص .. وإنْ كان قد زاد في العمل المشروع ما ليس بمشروع ، فزيادته مردودةٌ عليه ، بمعنى أنها لا تكون قربةً ولا يُثاب عليها ، ولكنْ تارةً يَبطل بها العملُ مِن أصله فيكونُ مردودًا : كمَن زاد في صلاته ركعةً عمدًا مثلاً ،، وتارة لا يبطله ولا يَردّه مِن أصله : كمَن توضأ أربعًا أربعًا ، أو صام الليلَ مع النهار وواصل في صيامه ، وقد يُبدِّل بعضَ ما يُؤمر به في العبادة بما هو مَنهِىٌّ عنه : كمَن ستر عورته في الصلاة بثوبٍ مُحَرَّم ، أو تؤضأ للصلاة بماءٍ مغصوب ، أو صلَّى في بُقعة غصب ، فهذا قد اختلف العلماءُ فيه : هل عملُه مردودٌ مِن أصله ، أو أنه غير مردود ، وتبرأ به الذِّمَةُ مِن عُهدة الواجب ؟ وأكثرُ الفقهاء على أنه ليس بمردودٍ من أصله .



وقريبٌ مِن ذلك : الذبح بآلةٍ مُحَرَّمَة ، أو ذبح مَن لا يجوز له الذبح ؛ كالسارق ،، فأكثرُ العلماء قالوا : إنه تُباحُ الذبيحة بذلك، ومنهم من قال : هي مُحَرَّمَة .. وكذا الخلاف في ذبح المُحْرِم للصيد ، لكنَّ القول بالتحريم فيه أشهر وأظهر لأنه مَنهِىٌّ عنه بعينه ..

ولهذا فرَّق مَن فرَّق مِن العلماء بين أن يكون النهىُ لمعنى يختص بالعبادة فيبطلها وبين أن لا يكون مُختصًا بها فلا يبطلها ؛ فالصلاة بالنجاسة ، أو بغير طهارة ، أو بغير ستارة ، أو إلى غير القبلة يبطلها ، لاختصاص النهى بالصلاة ، بخلاف الصلاة في الغصب ، ويشهد لهذا أنَّ الصيامَ لا يبطله إلا ارتكاب ما نُهِىَ عنه فيه بخصوصه ، وهو جِنس الأكل والشُّرب والجماع ، بخلاف ما نُهِىَ عنه الصائم ، لا بخصوص الصيام كالكذب والغيبة عند الجمهور .. وكذلك الحج لا يبطله إلا ما نُهِىَ عنه في الإحرام وهو الجِماع ، ولا يبطله ما لا يختص بالإحرام مِن المُحَرَّمات كالقتل والسرقة وشرب الخمر .. وكذلك الاعتكاف إنما يبطل بما نُهِىَ عنه فيه بخصوصه وهو الجِماع ، وإنما يبطل بالسُّكْر عندنا وعند الأكثرين ، لنهى السكران عن قُربان المسجد ودخوله على أحد التأويلين في قوله تعالى (( لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ))النساء/43 ، أنَّ المُراد مواضع الصلاة فصار كالحائض ، ولا يبطل الاعتكاف بغيره من ارتكاب الكبائر عندنا وعند كثيرٍ مِن العلماء ، وإنْ خالف في ذلك طائفةٌ مِن السلف منهم عطاء والزهري والثورى ومالك وحكي عن غيرهم أيضًا ..

وأمَّا ([ المعاملات ]) : كالعقود والفسوخ ونحوهما ، فما كان منها تغييرًا للأوضاع الشرعية ؛ كجعل حد الزنا عقوبةً مالية ، وما أشبه ذلك ، فإنه مردودٌ مِن أصله ، لا ينتقل به الملك لأنَّ هذا غير معهود في أحكام الإسلام ، ويدل على ذلك أن النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للذي سأله : إنَّ ابني كان عسيفًا على فلان ، فزنى بامرأته ، فافتديتُ منه بمائة شاةٍ وخادم ، فقال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( المائةُ شاةٍ والخادم رَدٌّ عليك ، وعلى ابنك جَلدُ مائةٍ وتغريبُ عام )) رواه البخارىُّ ومسلم .. وما كان منها عقدًا منهيًا عنه في الشرع ؛ إمَّا لكون المعقود عليه ليس محلاً للعقد ، أو لفوات شرطٍ فيه ، أو لظلمٍ يحصلُ به للمعقود معه أو عليه ، أو لكون العقد يشغل عن ذكر الله الواجب عند تضايق وقته ، أو غير ذلك ، فهذا العقد هل هو مردودٌ بالكلية لا ينتقل به الملك أم لا ؟ هذا الموضع قد اضطرب الناسُ فيه اضطرابًا كثيرًا ، وذلك أنه ورد في بعض الصور أنه مردودٌ لا يُفيد الملك ، وفي بعضها أنه يُفيده ، فحصل الاضطرابُ فيه بسبب ذلك ،، والأقربُ - إن شاء الله تعالى - أنه إن كان النهىُ عنه لِحَقِّ الله عز وجل لا يُفيد الملك بالكلية ، ونعني أنه بكون الحق لله : أنه لا يسقط برضا المتعاقدين عليه ،، وإن كان النهىُ عنه لِحَقِّ آدمىٍّ مُعَيَّن ، بحيث يسقط برضاه به ، فإنه يقف على رضاه به ، فإن رَضِىَ لزم العقدُ واستمر الملك ، وإنْ لم يرضَ به فله الفسخ ، فإنْ كان الذي يلحقه الضُّر لا يُعتبرُ رضاه بالكلية كالزوجة والعبد في الطلاق والعِتاق ، فلا عِبرةَ برضاه ولا بسخطه ، وإنْ كان النهىُ رفقًا بالمنهىِّ خاصة لِمَا يلحقه مِن المشقة ، فخالف وارتكب المشقة لم يبطل بذلك عملُه .

















~◘ الحديثُ السادِس ◘~

عن أبي عبدالله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : (( سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول : إنَّ الحلالَ بَيِّن ، وإنَّ الحرامَ بَيِّن ، وبينهما أمورٌ مُشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ مِن الناس ، فمَن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه ، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحِمَى يُوشِكُ أنْ يرتع فيه ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى ، ألا وإنَّ حِمَى الله محارمُه ، وإنَّ في الجسد مُضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب )) رواه البخاري ومسلم .
فقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
(( الحلالُ بَيِّن والحرامُ بَيِّن وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ مِن الناس )) معناه : أنَّ الحلالَ المَحض بَيِّنٌ لا اشتباه فيه ، وكذلك الحرام المحض ، ولكنْ بين الأمرين أمورٌ تشتبه على كثيرٍ من الناس : هل هى مِن الحلال أم من الحرام ؟ وأمَّا الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك ، ويعلمون مِن أىّ القسمين هى .
فأمَّا الحلالُ المَحض : فمِثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وبهيمة الأنعام ، وشرب الأشربة الطيبة ، ولباس ما يحتاج إليه من القطن والكِتَّان أو الصوف أو الشعر ، وكالنكاح ، والتسرِّي ، وغير ذلك إذا كان اكتسابه بعقدٍ صحيحٍ كالبيع ، أو بميراثٍ ، أو هبة ، أو غنيمة ..
و الحرام المحض : مِثل أكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وشرب الخمر ، ونكاح المحارم ، ولباس الحرير للرجال ، ومثل الأكساب المُحَرَّمة كالربا ، والميسر ، وثمن ما لا يحل بيعه ، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب أو تدليس ، أو نحو ذلك ..
وأمَّا المشتبه : فمِثل بعض ما اختُلِفَ في حِلِّه أو تحريمه ، إمَّا من الأعيان كالخيل والبغال والحمير والضَّب ، وشُرب ما اختُلِفَ في تحريمه من الأنبذة التي يُسكِرُ كثيرها ، ولبس ما اختُلِفََ في إباحة لبسه من جلود السِّباع ونحوها ، وإمَّا من المكاسب المختلف فيها كمسائل العينة والتورق ونحو ذلك .. وبنحو هذا المعنى فسَّر المُشتبهات أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة .
لا صلاح للعالم العلوىّ والسفلىّ معًا حتى تكون حركاتُ أهلها كلها لله ، وحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته ، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله ، وإن كانت حركة القلب وإراداته لغير الله تعالى فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب .


قال أبو يعقوب النهرجوري : ‹‹ كُلُّ مَن ادَّعى محبة الله عز وجل ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطل ›› .

وقال يحيى بن معاذ : ‹‹ ليس بصادقٍ مَن ادَّعى محبةَ الله ولم يحفظ حدوده ›› .

وعن بعض السلف قال : ‹‹ قرأتُ في بعض الكتب السالفة : مَن أحبَّ الله لم يكن عنده شيءٌ آثرَ مِن هواه ، ومَن أحبَّ الدنيا لم يكن عنده شيءٌ آثرَ من هوى نفسه ›› .

قال الحسن : ‹‹ ما نظرتُ ببصري ، ولا نطقتُ بلساني ، ولا بطشتُ بيدي ، ولا نهضتُ على قدمي حتى أنظرَ : على طاعةٍ أو على معصية ؟ فإنْ كانت طاعة تقدمتُ ، وإنْ كانت معصية تأخرت ›› .

وقال محمد بن الفضل البلخي : ‹‹ ما خطوتُ منذ أربعين سنةً خُطوةً لغير الله عز وجل ›› .




~ [ فوائـد ] من [ جامــع العلـوم والحِكَـم ] ~












~◘ الحديثُ السابـع ◘~

عن أبي رقية تميم بن أوسٍ الدارىّ رضى الله تعالى عنه أنَّ النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( الدينُ النصيحة ، قلنا : لمن ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم )) رواه مسلم.




قال الخطَّابى : ‹‹ النصيحةُ كلمةٌ يُعبَّرُ بها عن جملةٍ هي إرادة الخير للمنصوح له ، قال : وأصلُ النُّصح في اللغة الخلوص ، يُقال : نصحت العسل ، إذا خلَّصته من الشمع . فمعنى "النصيحة لله سبحانه" : صِحة الاعتقاد في وحدانيته ، وإخلاص النية في عبادته .. و "النصيحة لكتابه" : الإيمان به ، والعمل بما فيه .. و "النصيحة لرسوله" : التصديق بنبوته ، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهي عنه .. و "النصيحة لعامة المسلمين" : إرشادهم إلى مصالحهم ›› .. انتهي .

وقد حكى الإمام أبو عبدالله محمد بن نصر المَرْوَزِىّ في كتاب "تعظيم قدر الصلاة" عن بعض أهل العلم أنه فسر هذا الحديث بما لا مزيد على حُسنه . ونحن نحكيه هاهنا بلفظه إن شاء الله تعالى ، قال محمد بن نصر : ‹‹ قال بعض أهل العلم : جِماعُ تفسير النصيحة هو عناية القلب للمنصوح له كائنًا مَن كان ، وهي على وجهين : أحدهما فرض والآخر نافلة .. فالنصيحة المفترضة لله : هى شِدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض ومُجانبة ما حرَّم ،، وأما النصيحة التي هي نافلة : فهي إيثار محبته على محبة نفسه ، وذلك أنْ يَعرِضَ أمران أحدهما لنفسه والآخر لرَبِّه ، فيبدأ بما كان لرَبِّه ويؤخر ما كان لنفسه ..... ›› .



وقال أبو عمرو بن الصلاح : ‹‹ النصيحةُ كلمةٌ جامعةٌ تتضمن قيامَ الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً .

فالنصيحةُ لله تعالى : توحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال ، وتنزيهه عَمَّا يضادها ويخالفها ، وتجنب معاصيه ، والقيام بطاعته ومَحابه بوصف الإخلاص ، والحب فيه والبغض فيه ، وجهاد مَن كفر به تعالى وما ضاهى ذلك ، والدعاء إلى ذلك والحث عليه .

والنصيحة لكتابه : الإيمانُ به وتعظيمه وتنزيهه ، وتلاوته حق تلاوته ، والوقوف مع أوامره ونواهيه ، وتفهم علومه وأمثاله ، وتدبر آياته ، والدعاء إليه وذَبُّ تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه .

والنصيحة لرسوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : قريبٌ مِن ذلك ، الإيمانُ به وبما جاء به ، وتوقيره وتبجيله ، والتمسك بطاعته ، وإحياء سُنته ، واستثارة علومها ونشرها ، ومُعاداة مَن عاداه وعاداها ، ومُوالاة من والاه ووالاها ، والتخلق بأخلاقه ، والتأدب بآدابه ومحبة آله وصحابته ونحو ذلك .

والنصيحة لأئمة المسلمين : معاونتهم على الحق ، وطاعتهم فيه ، وتذكيرهم به ، وتنبيههم في رِفقٍ ولُطف ، ومُجانبة الوثوب عليهم ، والدعاء لهم بالتوفيق ، وحَثُّ الأغيار على ذلك .

والنصيحة لعامة المسلمين : إرشادهم إلى مصالحهم ، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم ، وستر عوراتهم ، وسد خلاتهم ، ونصرتهم على أعدائهم ، والذب عنهم ، ومُجانبة الغش والحسد لهم ، وأن يُحِبَّ لهم ما يُحِبُّ لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، وما شابه ذلك ›› .. انتهى ما ذكره .






~◘ الحديثُ التاسـع ◘~

عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخرٍ رضى الله عنه قال : ((
سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقول : ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين مِن قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم )) رواه البخاري ومسلم .


قال إسحاق بن عيسي : ‹‹ كان مالِك يقول : المِراءُ والجِدالُ في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل ›› .


وقال ابنُ وَهْب : ‹‹ سمعتُ مالكًا يقول : المِراءُ في العلم يُقسِّي القلب ويُورِثُ الضغن ›› .


وقال أحمد بن شبويه : ‹‹ مَن أراد علمَ القبر فعليه بالآثار ، ومَن أراد علمَ الخبز فعليه بالرأي ›› .


وقال الحسن : ‹‹ ما عُبِّدَ العابدون بشيءٍ أفضل مِن ترك ما نهاهم الله عنه ›› .


وقال عمر بن عبدالعزيز : ‹‹ ليست التقوى قيام الليل وصيام النهار ، والتخليط فيما بين ذلك ، ولكن التقوى أداء ما افترض الله ، وترك ما حَرَّمَ الله ، فإنْ كان مع ذلك عملٌ فهو خيرٌ إلى خير ›› أو كما قال .


وفي قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم Sad( إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم )) دليلٌ على أنَّ مَن عجِز عن فِعل المأمور به كله ، وقدر على بعضه ، فإنه يأتي بما أمكنه منه ،، وهذا مُطَّرِدٌ في مسائل :


- منها الطهارة :
فإذا قدر على بعضها ، وعجز عن الباقي : إمَّا لعدم الماء ، أو لمرضٍ في بعض أعضائه دون بعض ، فإنه يأتي مِن ذلك بما قدر عليه ، ويتيمم للباقي ، وسواءٌ في ذلك الوضوء والغسل على المشهور .


- ومنها الصلاة : فمن عجِز عن فِعل الفريضة قائمًا صلَّى قاعدًا ، فإنْ عجِز صلَّى مُضطجعًا ، وفيصحيح البخاري عن عمران بن حصين رضى الله عنه أن النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( صلِّ قائمًا ، فإنْ لم تستطع فقاعدًا ، فإنْ لم تستطع فعلى جنب )) ، ولو عجِز عن ذلك كله أومأ بطرفه وصلَّى بنيته ، ولم تسقط عنه الصلاة على المشهور .


- ومنها زكاة الفطر : فإذا قدر على إخراج بعض صاع لزمه ذلك على الصحيح .


- فأمَّا من قدر على صيام بعض النهار دون تكملته فلا يلزمه ذلك بغير خلاف ، لأنَّ صيامَ بعض اليوم ليس بقُربةٍ في نفسه .


- وكذلك لو قدر على عِتق بعض رقبة في الكفَّارة
لم يلزمه لأن تبعيض العِتق غير محبوبٍ للشارع بل يُؤمَرُ بتكميله بكل طريق .


- وأمَّا من فاته الوقوف بعرفة في الحَجِّ :
فهل يأتي بما بقى منه مِن المبيت بمزدلفة ورمى الجِمار أم لا ؟ بل يقتصرُ على الطواف والسعى ويتحلل بعمرة ؟ على روايتين عن أحمد ، أشهرهما : أنَّه يقتصر على الطواف والسعي ، لأنَّ المبيتَ والرمى مِن لواحق الوقوف بعرفة وتوابعه ، وإنما أمر اللهُ تعالى بذكره عند المشعر الحرام ، وبذكره في الأيام المعدودات لِمَن أفاض مِن عرفات ، فلا يُؤمَرُ به مَن لا يقفُ بعرفة كما لا يُؤمرُ به المعتمر .




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nareen.ace.st
N@r33N
Admin
N@r33N


لوني المفضل : أرجواني
♣ مشَارَڪاتْي » : 235
♣ التسِجيلٌ » : 23/01/2013

فوائد من جامع العلوم و الحكم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فوائد من جامع العلوم و الحكم   فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالثلاثاء يناير 29, 2013 10:30 am











~◘ الحديثُ الثاني عشـر ◘~

عن أبي هريرة رضى اللهُ عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مِن حُسْنِ إسلام المرءِ تركُه ما لا يَعنيه )) رواه الترمذى وغيره هكذا.

◘-
وهذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الأدب ، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال : جِماعُ آداب الخير وأزِمَّته تتفرَّع من أربعة أحاديث : قول النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( مَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )) ، وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) ، وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للذي اختصر له في الوصية (( لا تغضب )) ، وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( المؤمنُ يُحِبُّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه )) .


ومعنى هذا الحديث : أنَّ مَن حَسُنَ إسلامُه ترك ما لا يعنيه مِن قول وفعل ، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى "يعنيه" : أن تتعلق عنايته به ، ويكون من مقصده ومطلوبه ، والعناية : شدة الاهتمام بالشيء ، يُقال :عناه يعنيه : إذا اهتم به وطلبه ، وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس ، بل بحكم الشرع والإسلام ، ولهذا جعله مِن حسن الإسلام .. فإذا حَسُنَ إسلامُ المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال ، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات .... وإنَّ الإسلام الكامل الممدوح يدخل فيه ترك المُحَرَّمات كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( المسلم مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانه ويده ))صحيح .. وإذا حَسُنَ الإسلامُ اقتضى ترك ما لا يعني كله من المُحَرَّمات والمُشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كَمُلَ إسلامُه ، وبلغ إلى درجة الإحسان ، وهو أن يعبد الله كأنه يراه ، فإنْ لم يكن يراه فإنَّ الله يراه .. فمَن عَبَدَ اللهَ على استحضار قُربه ومشاهدته بقلبه ، أو على استحضار قرب الله منه وإطلاعه عليه ، فقد حَسُنَ إسلامُه ، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام ، ويشتغل بما يعنيه فيه ، فإنه يتولَّد مِن هذين المقامين الاستحياء من اللهو ترك كل ما يُستحيى منه كما وَصَّى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلاً أنْ يَستحيى مِن الله كما يَستحيى مِن رجل من صالحي عشيرته لا يفارقه .. وفي المُسند والترمذي عن ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعًا(( الاستحياءُ مِن الله تعالى : أنْ تحفظ الرأسَ وما حَوَى ، وتحفظ البطنَ وما وَعَى ، ولتذكر الموتَ والبلي ، فمَن فَعَلَ ذلك فقد استحيى مِن الله حَقَّ الحياء ))صحيح الجامع .

قال بعضهم : ‹‹ استحِ مِن الله على قدر قُربه منك ، وخَف اللهَ على قدر قُدرته عليك ›› .

وقال بعض العارفين : ‹‹ إذا تكلمت فاذكر سمع الله فيك ، وإذا سكت فاذكر نظره إليك ›› .

وأكثرُ ما يُرادُ بترك ما لا يعني :حفظ اللسان من لغو الكلام ، كما أشير إلى ذلك في الآياتِ الأولى التي هي في سورة " ق " .

قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ‹‹ من عَدَّ كلامَه مِن عمله قَلَّ كلامُه إلاَّ فيما يَعنيه ›› .

الخاصُ لا يُنسَخُ بالعام ، ولو كان العامُ متأخرًا عنه في الصحيح الذي جَرى عليه جمهورُ العلماء ، لأنَّ دلالة الخاص على معناه بالنص ، ودلالة العام عليه بالظاهر عند الأكثرين ، فلا يُبطِلُ الظاهرُ حُكمَ النص .














~◘ الحديثُ الخامِس عشـر ◘~

عن أبي هريرة رضى الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( مَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ، ومَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )) رواه البخاري ومسلم .
قال محمد بن عجلان : ‹‹ إنما الكلامُ أربعة : أنْ تذكرَ الله ، وتقرأ القرآن ، وتُسألَ عن عِلمٍ فتخبر به ، أو تَكَلُّمٌ فيما يعنيك مِن أمر دنياك ›› .
♦️---•---♦️
وقال رجلٌ لسلمان :أوصني ، قال : لا تَكَلَّم ، قال : ما يستطيعُ مَن عاش في الناس أنْ لا يتكلم ، قال : فإنْ تكلمتَ فتَكَلَّمْ بِحَقٍّ أو اسكت .
♦️---•---♦️
وكان أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - يأخذ بلسانه ويقول : ‹‹ هذا أوردني الموارِد ›› .
♦️---•---♦️

وقال ابنُ مسعود : ‹‹ والله الذي لا إله إلا هو ، ما على الأرض أحق بطول سجنٍ مِن اللسان ›› .
♦️---•---♦️

وقال شميط بن عجلان : ‹‹ يا بن آدم ، إنك ما سَكَتَّ فأنتَ سالِم ، فإذا تَكَلَّمْتَ فخُذ حِذَرَكَ ، إمَّا لكَ وإمَّا عليك ›› .
















~◘ الحديثُ السابـع عشـر ◘~
عن أبي يعلى شدَّاد بن أوس رضى الله تعالى عنه ، عن رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( إنَّ الله كتبَ الإحسانَ على كُلِّ شيء ، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلة ، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة ، وليُحِدَّ أحدكم شفرتَه وليُرِح ذبيحتَه )) رواه مسلم.
(( إنَّ اللهَ كتب الإحسان على كُلِّ شئ )) : وهذا الأمرُ بالإحسان تارةً يكونُ للوجوب كالإحسان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البِرُّ والصِّلَة ، والإحسان إلى الضيف بقدر ما يحصل به قراه ..... وتارة يكون للندب كصدقة التطوع ونحوها .
♦️---•---♦️
وهذا الحديث يدلُّ على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال ، لكنْ إحسانُ كُلِّ شيءٍ بحسبه ،فالإحسانُ في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة : الإتيانُ بها على وجه كمال واجباتها ، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب ، وأما الإحسان فيها بإكمال مستحباتها فليس بواجب .
♦️---•---♦️
والإحسانُ في ترك المُحَرَّمات :
الانتهاءُ عنها ، وترك ظاهرها وباطنها كما قال تعالى : (( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ))الأنعام/12 .. فهذا القدر من الإحسان فيها واجب .
♦️---•---♦️

وأما الإحسانُ في الصبر على المقدورات : فأنْ يأتي بالصبر عليها على وجهه من غير تَسَخُّطٍ ولا جَزَع .
♦️---•---♦️

والإحسانُ الواجب في معاملة الخلق ومعاشرتهم : القيامُ بما أوجب اللهُ مِن حقوق ذلك كله .
♦️---•---♦️

والإحسانُ الواجب في ولاية الخلق وسياستهم : القيامُ بواجبات الولاية كلها .

والقدر الزائد على الواجب في ذلك كله إحسان ليس بواجب .
♦️---•---♦️
والإحسانُ في قتل ما يجوز قتله مِن الناس والدواب : إزهاقُ نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها من غير زيادةٍ في التعذيب ، فإنه إيلامٌ لا حاجة إليه .













~◘ الحديثُ التاسِـع عشـر ◘~
عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : (( كنتُ خلفَ النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا فقال : يا غلام إني أعلِّمُكَ كلمات : احفظ اللهَ يحفظك ، احفظ اللهَ تجده تُجاهك ، إذا سألتَ فاسأل الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله ، واعلم أنَّ الأمةَ لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنْ اجتمعوا على أنْ يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَت الأقلامُ وجَفَّت الصُّحُف )) رواه الترمذي وقال : حديثٌ حَسَنٌ صحيح ،
وفي رواية غير الترمذي : (( احفظ اللهَ تجده أمامك ، تعرَّف إلى اللهِ في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أنَّ ما أخطأكَ لم يكن ليُصيبك ، وما أصابك لم يكن ليُخطئك ، واعلم أنَّ النصرَ مع الصبر ، وأنَّ الفرجَ مع الكرب ، وأنَّ مع العُسر يُسرًا )) .

فهاتان درجتان للمؤمن بالقضاء والقدر في المصائب :
- إحداهما : أنْ يَرضَى بذلك ، وهي درجةٌ عاليةٌ رفيعةٌ جدًا ، قال الله عز وجل : (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )) التغابن/11 ، قال علقمة : هي المصيبةُ تُصيبُ الرجل ، فيعلم أنها مِن عند الله ، فيُسَلِّم لها ويَرضى .. وخرَّج الترمذىّ من حديث أنس عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( إنَّ الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمَن رضى فله الرضا ، ومَن سخط فله السخط )) .
♦️---•---♦️
- والدرجة الثانية : أنْ يصبر على البلاء ، وهذه لِمَن لم يستطع الرضا بالقضاء ، فالرضا فضلٌ مَندوبٌ إليه مُستحب ، والصبر واجبٌ على المؤمن حتم ، وفي الصبر خيرٌ كثير ، فإنَّ الله أمر به ووعد عليه جزيل الأجر ، قال الله عز وجل : (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))الزمر/10 ، وقال : (( وَبَشِّرِ الصَّابِرينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُون )) البقرة/155-157 .

قال الحسن : ‹‹ الرضا عزيز ، ولكنَّ الصبرَ مِعْول المؤمن ›› .
♦️---•---♦️
والفرق بين الرضا والصبر :
أنَّ الصبر : كَفُّ النفس وحبسها عن التسخط مع وجود الألم ، وتمنِّي زوال ذلك ، وكَفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع .. والرضا : انشراح الصدر وسعته بالقضاء ، وترك تمنِّي زوال المُؤلم ، وإن وَجَدَ الإحساس بالألم ، لكن الرضا يُخَفِّفه لما يُباشر القلبَ مِن روح اليقين والمعرفة ، وإذا قَوِىَ الرضا فقد يُزيل الإحساسَ بالألم بالكُلية .

عسى ما ترى أنْ لا يدومَ وأنْ ترى .. له فرجـًا مِمَّا أَلَحَّ بـهِ الدَّهْـرُ
عسـى فـرجٌ يأتي بـه اللهُ إنَّـه .. لـه كُـلَّ يـومٍ في خليقتهِ أمـرُ
إذا لاحَ عُسـرٌ فارجُ يُسـرًا فإنَّه .. قضى اللهُ أنَّ العُسْرَ يتبعه اليُسْـرُ













~◘ الحديثُ العـشـرون ◘~
عن أبي مسعودٍ عُقبة بن عمرو الأنصارىِّ البدرىِّ - رضى الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((إنَّ مِمَّا أدرك الناسُ مِن كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت )) رواه البخارى .



واعلم أن الحياءَ نوعان :
- أحدهما : ما كان خلقًا وجِبِلَّة غير مكتسب ، وهو مِن أجَلِّ الأخلاق التي يمنحها اللهُ العبدَ ويجبله عليها ، ولهذا قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الحياءُ لا يأتي إلا بخير ))، فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق ، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها ، فهو مِن خصال الإيمان بهذا الاعتبار ، وقد رُوِىَ عن عمر - رضى الله عنه - أنَّه قال : ‹‹ مَن استحيا اختفى ، ومَن اختفى اتقى ، ومَن اتقى وُقِى ›› .. وقال الجراح بن عبدالله الحكمي - وكان فارسَ أهل الشام -: ‹‹ تركتُ الذنوبَ حياءً أربعين سنة ، ثم أدركني الوَرَع ››.. وعن بعضهم قال : ‹‹ رأيتُ المعاصي نذالةً ، فتركتها مروءةً ، فاستحالت ديانة ›› .
♦️---•---♦️
- النوع الثاني : ما كان مُكتسبًا مِن معرفة الله ، ومعرفة عظمته وقُربه مِن عباده ، وإطلاعه عليهم ، وعِلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهذا مِن أعلى خِصال الإيمان ، بل هو مِن أعلى درجات الإحسان .




.














~◘ الحديثُ الثالثُ والعشـرون ◘~
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعرىّ - رضى الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الطُّهورُ شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض ، والصلاةُ نور ، والصدقةُ بُرهان ، والصبرُ ضياء ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أوحجة عليك ، كُلُّ الناسِ يغدو فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها )) رواه مسلم .
قال بعضُ السَّلَف : ‹‹ ما جالس أحدٌ القرآنَ فقام عنه سالمًا ، بل إمَّا أنْ يربحَ أو أنْ يخسر ، ثم تلا هذه الآية : (( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ))الإسراء/82 ›› .

قال الحسن : ‹‹ المؤمنُ في الدنيا كالأسير ، يسعى في فِكاك رقبته ، لا يأمنُ شيئًا حتى يلقى اللهَ عز وجل ›› .. وقال : ‹‹ ابنَ آدم إنك تغدو أو تروح في طلب الأرباح ، فليكن همك نفسك ، فإنك لن تربح مِثلها أبدًا ›› .

قال أبو بكر بن عياش : ‹‹ قال لي رجلٌ مَرَّةً وأنا شابٌّ : خَلِّص رقبتك ما استطعت في الدنيا مِن رِقِّ الآخرة ، فإنَّ أسيرَ الآخرة غيرُ مَفكوكٍ أبدًا ›› ، قال : ‹‹ فوالله ما نسيتها بعد ›› .
♦️---•---♦️

وكان بعض السلف يبكي ويبكي ويقول : ‹‹ ليس لي نَفْسَان ، إنما لي نَفْسٌ واحدة ، إذا ذهبت لم أجد أخرى ›› .

وقال محمد بن الحنفية : ‹‹ إنَّ الله عز وجل جعل الجنة ثمنًا لأنفسكم ، فلا تبيعوها بغيرها ›› .


وقال أيضا : ‹‹ مَن كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قَـدْر ›› .

وقيل له : ‹‹ مَن أعظمُ الناس قدرًا ؟ ›› ، قال : ‹‹ مَن لم يَرَ الدنيا كلها لنفسه خطرًا ›› .
♦️---•---♦️
وأنشد بعض المتقدمين :

أثامِـنُ بالنَّفسِ النفيسةِ رَبَّها .. وليس لها في الخلق كُلِّهم ثَمَـنْ
بها تُملَكُ الأخرى فإنْ أنا بِعتُها .. بشيءٍ مِن الدنيا فذاك هو الغَبَنْ
لئنْ ذهبت نفسي بدُنيا أصيبُها .. لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثَّمَنْ



















~◘ الحديثُ الرابـع والعشـرون ◘~
عن أبي ذر الغفارىّ - رضى الله عنه - عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما يرويه عن رَبِّه عز وجل أنه قال : (( يا عبادي إنِّي حَرَّمتُ الظلمَ على نفسي ، وجعلتُه بينكم مُحَرَّمًا فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه فاستهدوني أهدِكم ، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا مَن أطعمتُه فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عارٍ إلا مَن كسوتُه فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا ، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص ذلك مِن مُلكي شيئًا ، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كُلَّ واحدٍ مسألتَه ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلا كما يَنقصُ المِخيَطُ إذا أُدخِلَ البحر ، ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إيَّاها ، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله ، ومَن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه )) رواه مسلم .

الظلـم نوعـان :
- أحدهما :
ظلم النفس ، وأعظمه الشِّرك ، كما قال تعالى : (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) لقمان/13 ، فإنَّ المُشرِكَ جعل المخلوقَ في منزلة الخالق ، فعبده وتألهه ، فوضع الأشياءَ في غير موضعها ، وأكثر ما ذكر في القرآن مِن وعيد الظالمين إنما أريد به المشركون ، كما قال الله عز وجل : (( وَالكَافِرُونَ هُمَ الظَّالِمُونَ )) البقرة/254 ، ثُمَّ يليه المعاصي على اختلاف أجناسها مِن كبائر وصغائر .
♦️---•---♦️

- والثاني : ظلم العبد لغيره ، وهو المذكور في هذا الحديث ، وقد قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خُطبته في حَجَّةِ الوَداع : (( إنَّ دِماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ ، كحُرمةِ يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا )) رواه البخارىُّ ومسلم ... ورُوِىَ عنه أنه خطب بذلك في يوم عرفة ، وفي يوم النحر ، وفي اليوم الثاني من أيام التشريق ، وفي رواية : ثُمَّ قال : (( اسمعوا مِنِّي تعيشوا ، ألا لا تظالموا ، ألا لا تظالموا ، إنَّه لا يَحِلُّ مالُ امريءٍ مُسلمٍ إلاَّ عن طِيبِ نفسٍ منه )) صحيح .. وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أنَّه قال : (( الظلمُ ظُلماتٌ يوم القيامة )) ، وفيهما عن أبي موسى عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( إنَّ الله ليُملي الظالم ، حتى إذا أخذه لم يُفلته )) ثم قرأ (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهى ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )) هود/102 .. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( مَن كانت عنده مَظلِمَةٌ لأخيه ، فليتحلَّله منها ، فإنه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا دِرهم مِن قبل أن يُؤخَذَ لأخيه مِن حسناته ، فإنْ لم يكن له حسنات أُخِذَ مِن سيئاتِ أخيه فطُرِحَت عليه )) .
♦️---•---♦️
وقولُه Sad( كلكم ضال إلاَّ مَن هديته )) : قد ظن بعضهم أنه مُعارض لحديث عياض بن حمار ، عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( يقولُ اللهُ عز وجل : خلقتُ عِبادي حنفاء )) ، وفي رواية : (( مُسلمين ، فاجتالتهم الشياطين )) روه مسلم.. وليس كذلك فإنَّ اللهَ خلق بني آدم ، وفطرهم على قبول الإسلام ، والميل إليه دون غيره ، والتهيؤ لذلك ، والاستعداد له بالقوة ، لكنْ لا بُدَّ للعبد مِن تعليم الإسلام بالفعل ، فإنَّه قبل التعلم جاهلٌ لا يعلمُ شيئًا ، كما قال عز وجل : (( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا )) النحل/78 ، وقال لنبيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى )) الضحى/7 ،، والمراد : وجدك غيرَ عالمٍ بما علَّمكَ مِن الكتاب والحِكمة ، كما قال تعالى : (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإيمَانُ )) الشورى/52 .. فالإنسان يُولَدُ مَفطورًا على قبول الحق ، فإنْ هداه اللهُ سَبَّبَ له مَن يُعلِّمه الهُدى ، فصار مُهتديًا بالفِعل بعد أنْ كان مُهتديًا بالقوة ، وإنْ خذله الله قَيَّضَ له مَن يُعلِّمه ما يُغيِّرُ فِطرتَه ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( كُلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرة ، فأبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه )) رواه البخارى ومسلم .
♦️---•---♦️
وأمَّا سؤال المؤمن مِن الله الهداية ، فإنَّ الهداية نوعان :
- هِدايةٌ مُجملة : وهي الهداية للإسلام والإيمان ، وهي حاصِلةٌ للمُؤمن .

- وهِدايةٌ مُفَصَّلَة : وهي هِدايتُه إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإسلام ، وإعانتُه على فِعل ذلك ، وهذا يحتاجُ إليه كُلُّ مُؤمنٍ ليلاً ونهارًا .


















~◘ الحديثُ السادس والعشـرون ◘~
عن أبي هريرة رضى اللهُ عنه قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( كُلُّ سُلامى مِن الناس عليه صدقةٌ كُلَّ يومٍ تطلع فيه الشمس ، تعدِلُ بين اثنين صدقة ، وتُعِينُ الرجلَ في دابته فتحمله عليها أو ترفعُ له عليها متاعه صدقة ، والكلمةُ الطيبةُ صدقة ، وبكل خُطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتُمِيطُ الأذى عن الطريق صدقة )) رواه البخاري ومسلم .


عن يونس بن عُبَيْد أن رجلاً شكا إليه ضِيقَ حاله ، فقال له يونس : أيسرك أنَّ لك ببصرك هذا الذي تُبصِرُ به مائة ألف درهم ؟ قال الرجل : لا ، قال : فبيدك مائة ألف درهم ؟ قال : لا ، قال : فبرجليك ؟ قال : لا ، قال : فذكَّره نِعَمَ اللهِ عليه ، فقال يونس : أرى عندك مائين ألوفٍ وأنت تشكي الحاجة .


قال أبو حازم : ‹‹ كُلُّ نعمةٍ لا تُقَرِّبُ مِن الله فهي بليَّة ›› .

♦️---•---♦️

الشكـرُ على درجتين :

- إحداهما : واجب، وهو أن يأتىَ بالواجبات ، ويجتنب المحارم ، فهذا لا بُدَّ منه ، ويكفي في شكر هذه النعم .
- الدرجة الثانية من الشكر : الشكر المُستحَب ، وهو أن يعملَ العبدُ بعد أداء الفرائض واجتناب المحارم بنوافل الطاعات ، وهذه درجة السابقين المقربين .

















~◘ الحديثُ السابـع والعشـرون ◘~

عن النواس بن سمعان - رضى الله عنه - عن النبىِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( البِرُّ حُسْنُ الخُلُق ، والإثمُ ما حاك في نفسك وكرهت أن يَطَّلِعَ عليه الناس )) رواه مسلم .

وعن وابصة بن مَعبد - رضى الله عنه - قال أتيتُ رسولَ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فقال : ((جِئتَ تسألُ عن البِرِّ ؟ قلتُ : نعم ، قال : استفتِ قلبك ، البِرُّ ما اطمأنت إليه النفسُ واطمأن إليه القلب ، والإثمُ ما حاك في النفس وتردَّدَ في الصدر وإنْ أفتاك الناسُ وأفتوك )) حديث حسن رويناه في مسندى الإمامين أحمد بن حنبل والدارمىُّ بإسنادٍ حسن .
البِرُّ يُطلَقُ باعتبارين مَعنيين :

- أحدهما : باعتبار مُعاملة الخلق بالإحسان إليهم ، ورُبَّما خُصَّ بالإحسان إلى الوالدين ، فيُقال " بِرُّ الوالدين " ، ويُطلَق كثيرًا على الإحسان إلى الخلق عمومًا ، وقد صَنَّفَ ابنُ المُبارك كتابًا سمَّاه "كتاب البِرِّ والصِّلَة" ، وكذلك في صحيح البخارىّ و جامع الترمذىّ "كتاب البِرِّ والصِّلَة" ، ويتضمن هذا الكتاب الإحسان إلى الخلق عمومًا ، ويُقدَّمُ فيه بِرُّ الوالدين على غيرهما ...... وكان ابنُ عمر - رضى الله عنهما - يقول : ‹‹ البِرُّ شيءٌ هَيِّن : وجهٌ طليق وكلامٌ لَيِّن ›› .
♦️---•---♦️
- والمعنى الثاني من معنى البر : أن يُرادَ به فِعلُ جميع الطاعات الظاهرة والباطنة .... فالبِرُّ بهذا المعنى يدخل فيه جميعُ الطاعاتِ الباطنة : كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والطاعاتِ الظاهرة : كإنفاق الأموال فيما يُحِبُّه الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والوفاء بالعهد ، والصبر على الأقدار ؛ كالمرض والفقر ، وعلى الطاعات ؛ كالصبر على لقاء العدو .

♦️---•---♦️


قال الأعمش : ‹‹ كان إبراهيمُ النخعىّ صيرفيًا في الحديث ، كنتُ أسمعُ مِن الرجال ، فأعرِضُ عليه ما سمعتُه ›› .

وقال عمرو بن قيس :‹‹ ينبغي لصاحب الحديث أن يكونَ مِثلَ الصيرفىّ الذي ينتقد الدراهم ، فإنَّ الدراهم فيها الزائف والبَهْرَج ، وكذلك الحديث ›› .

وقال الأوزاعي : ‹‹ كنا نسمعُ الحديث ، فنعرضه على أصحابنا كما نعرضُ الدرهم الزائف على الصيارفة ، فما عرفوا أخذنا وما أنكروا تركنا ›› .

وقيل لعبد الرحمن بن مهدىّ : إنك تقول للشيء "هذا صحيح" و "هذا لم يثبت" ، فعن مَن تقول ذلك ؟ فقال : أرأيتَ لو أتيتَ الناقِدَ فأريتَه دراهمك ، فقال : "هذا جيد" و "هذا بَهْرَج" أكنتَ تسأله عن ذلك أو تُسلِّم الأمرَ إليه ؟ قال : لا بل كنتُ أسلِّمُ الأمرَ إليه ، فقال : هذا كذلك لطول المُجالسة والمُناظرة والخُبْر به .

وقال ابن مهدىّ : ‹‹ معرفةُ الحديث إلهام ›› .. وقال : ‹‹ إنكارنا الحديث عند الجُهَّال كِهانة ›› .
♦️---•---♦️
وأول مَن اشتهر في الكلام في نقد الحديث ابنُ سيرين ، ثم خلفه أيوب السِّخْتِيَانِىّ ، وأخذ ذلك عنه شُعبة ، وأخذ عن شُعبة يحيى القطَّان وابنُ مهدى ، وأخذ عنهما أحمد وعلى بن المَدِيني وابنُ معين ، وأخذ عنهم مثل البُخارىّ وأبي داود وأبي زُرعة وأبي حاتم .... و جاء بعد هؤلاء جماعةٌ منهم : النَّسَائىُّ والعقيلي وابنُ عَدِىّ والدارقطنىُّ ، وقَلَّ مَن جاء بعدهم مِمَّن هو بارِعٌ في معرفة ذلك ، حتى قال أبو الفرج الجوزىّ في أول كتابه "الموضوعات" : قل مَن يَفهمُ هذا بل عُدِم .. والله أعلم .













~◘ الحديثُ الثامن والعشـرون ◘~

عن أبي نجيح العِرباض بن سارية - رضى الله عنه - قال : (( وعظنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم موعظةً وَجِلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسولَ الله كأنها موعظة مُوَدِّعٍ فأوصِنا ، قال : أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والسمعِ والطاعة وإنْ تأمَّر عليكم عبد ، فإنه مَن يَعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاء الراشدين المَهدِيِّين مِن بعدي ، عَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإيَّاكم ومُحْدَثات الأمور ، فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضلالة)) رواه أبو داود والترمذىّ وقال حديث حسن صحيح .
البلاغةُ في المَوعظة مُستَحسَنة ، لأنها أقرب إلى قبول القلوب واستجلابها ..
والبلاغة هي التوصُّل إلى إفهام المعاني المقصودة ، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورةٍ مِن الألفاظ الدالة عليها ، وأفصحها وأحلاها للأسماع ، وأوقعها في القلوب ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقصِرُ خُطبتَها ولا يُطيلها ، بل كان يُبلِغ ويُوجِز .

والمُراد بالبِدعة : ما أُحدِثَ مِمَّا لا أصلَ له في الشريعة يَدلُّ عليه ،، وأمَّا ما كان له أصلٌ مِن الشرع يَدلُّ عليه فليس بِبِدعةٍ شرعًا ، وإنْ كان بِدعةً لغةً .

فقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( كُلُّ بِدعةٍ ضلالة )) : مِن جوامع الكَلِم لا يَخرجُ عنه شيء ، وهو أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الدين ، وهو شبيهٌ بقوله : (( مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدّ )) ، فكُلُّ مَن أحدث شيئًا ونَسَبَهُ إلى الدين ، ولم يكن له أصلٌ مِن الدين يرجع إليه ، فهو ضلالة ، والدينُ بريءٌ مِنه ، وسواءٌ في ذلك مسائل الاعتقادات ، أو الأعمال ، أو الأقوال الظاهرة والباطنة .

وأما ما وقع في كلام السلف مِن استحسان بعض البِدَع ، فإنَّما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية .. :
فمن ذلك : قولُ عمر - رضى الله عنه - لَمَّا جَمَعَ الناسَ في قيام رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد ، وخرج ورآهم يُصَلُّون كذلك فقال : " نِعْمَت البِدعةُ هذه " ،، ورُوِىَ عنه أنه قال : " إنْ كانت هذه بِدعةً ، فنِعْمَت البِدعة " ،، ورُوِىَ أنَّ أُبَىّ بن كعبٍ قال له : " إنَّ هذا لم يكن " ، فقال عمر : " قد علِمتُ ولكنَّه حَسَن " .. ومُراده أنَّ هذا الفِعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ، ولكنْ له أصولٌ مِن الشريعة يُرجَعُ إليها؛ فمنها أنَّ النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَحُثُّ على قيام رمضان ، ويُرَغِّبُ فيه ، وكان الناسُ في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ مُتفرقة ووحدانًا ، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بأصحابه في رمضان غيرَ ليلة ، ثُمَّ امتنع مِن ذلك مُعلِّلاً بأنه خشي أنْ يُكتَبَ عليهم فيعجزوا عن القيام به ، وهذا قد أُمِنَ بعده صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ،، ورُوِىَ عنه أنَّه كان يقومُ بأصحابه ليالي الإفراد في العشر الأواخر .. ومنها أنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمر باتباع سُنَّةِ خُلَفائهِ الراشدين ، وهذا قد صار مِن سنة خُلَفائه الراشدين ، فإنَّ الناسَ اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمان وعلىٍّ .
♦️---•---♦️
ومن ذلك : أذان الجمعة الأول ، زاده عثمان لحاجة الناس إليه ، وأقرَّه عَلِىّ ، واستمر عمل المسلمين عليه ، ورُوِىَ عن ابن عمر أنه قال : " هو بِدعة " ، ولعله أراد ما أراد أبوه في قيام رمضان .
♦️---•---♦️
ومن ذلك : جمع المصحف في كتابٍ واحد ، توقَّف فيه زيد بن ثابت ، وقال لأبي بكرٍ وعمر : كيف تفعلان ما لم يفعله النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ ثُمَّ عَلِمَ أنَّه مَصلحة ، فوافق على جَمعه ،، وقد كان النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمرُ بكتابة الوحى ،، ولا فرق بين أنْ يُكتَبَ مُفرَّقًا أو مَجموعًا ، بل جَمْعُهُ صار أصلح .
♦️---•---♦️
وكذلك : جَمعُ عُثمان الأمَّة على مُصحفٍ واحدٍ وإعدامِهِ لِمَا خالفه خشية تَفَرُّق الأمَّة ، وقد استحسنه عَلِىٌّ وأكثرُ الصحابة ، وكان ذلك عينَ المصلحة .
♦️---•---♦️
وكذلك : قِتالُ مَن مَنَعَ الزكاة ، توقَّف فيه عمر وغيرُه حتى بَيَّن له أبو بكرٍ أصلَه الذي يرجع إليه مِن الشريعة ، فوافقه الناس على ذلك .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nareen.ace.st
N@r33N
Admin
N@r33N


لوني المفضل : أرجواني
♣ مشَارَڪاتْي » : 235
♣ التسِجيلٌ » : 23/01/2013

فوائد من جامع العلوم و الحكم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فوائد من جامع العلوم و الحكم   فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالثلاثاء يناير 29, 2013 10:33 am












~◘ الحديثُ الثلاثـون ◘~

عن أبي ثعلبة الخشنىّ جُرثوم بن ناشرٍ - رضى الله عنه - عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( إنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ فرائضَ فلا تُضَيِّعوها ، وحَدَّ حُدودًا فلا تعتدوها ، وحَرَّمَ أشياءَ فلا تنتهكوها ، وسَكَتَ عن أشياء رحمةً لكم غيرَ نسيانٍ فلا تبحثوا عنها )) حديث حسن رواه الدارقطنىُّ وغيره .

قال إسحاقُ بن رَاهَوَيْـه :‹‹ لا يجوزُ التفكرُ في الخالق ، ويجوزُ للعباد أن يُفكِّروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم ، ولا يَزيدون على ذلك ، لأنهم إنْ فعلوا تاهوا ››، قال :‹‹ وقد قال الله : (( وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )) الإسراء/44 ، فلا يجوزُ أنْ يُقالَ : كيف تُسبِّحُ القِصاع ، والأخوِنة ، والخُبز المخبوز ، والثياب المنسوجة ؟ وكُلُّ هذا قد صَحَّ العِلمُ فيهم أنهم يُسَبِّحون ، فذلك إلى الله أنْ يجعل تسبيحَهم كيف شاء وكما يشاء ، وليس للناس أنْ يَخوضوا في ذلك إلاَّ بما علِموا ، ولا يتكلموا في هذا وشِبهه إلاَّ بما أخبر الله ، ولا يَزيدوا على ذلك ، فاتَّقُوا الله ، ولا تخوضوا في هذه الأشياء المتشابهة ، فإنه يُردِيكمُ الخوضُ فيه عن سُنَنِ الحَق ›› ... نقل ذلك كُلَّهُ حَرْب عن إسحاق رحمه الله تعالى .
















~◘ الحديثُ الحادي والثلاثـون ◘~

عن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدىّ - رضى الله عنه - قال : (( جاء رجلٌ إلى النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ الله ، دُلَّنِي على عملٍ إذا عملتُه أحبَّني اللهُ وأحبَّني الناس ، فقال : ازهد في الدنيا يُحِبُّكَ الله ، وازهد فيما عند الناس يُحِبُّكَ الناس )) حديثٌ حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .

ومعنى" الزُّهْـد في الشيء " : الإعراضُ عنه لاستقلاله ، واحتقاره ، وارتفاع الهِمَّة عنه .. يُقال : شيءٌ زهيد ؛ أي قليل حقير .

♦️---•---♦️

وقد أنشد بعضُ السَّلَف :

إنَّما الدنيا إلى الجنـ .. ـةِ والنارِ طريـقُ
والليالي مَتجرُ الإنـ .. ـسانِ والأيامُ سوقُ

♦️---•---♦️

وليس الذَّمُّ راجعًا إلى مكان الدنيا الذي هو الأرض التي جعلها الله لبني آدم مِهادًا وسَكَنًا ، ولا إلى ما أودع الله فيها مِن الجِبال والبِحار والأنهار والمعادن ، ولا إلى ما أنبته فيها مِن الشجر والزرع ، ولا إلى ما بَثَّ فيها مِن الحيوانات وغير ذلك ، فإنَّ ذلك كله مِن نعمة الله على عباده بما لهم فيه مِن المنافع ، ولهم به مِن الاعتبار والاستدلال على وحدانية صانعه وقُدرته وعظمته ،، وإنَّما الذَّمُّ راجِعٌ إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدنيا ، لأنَّ غالبَها واقِعٌ على غير الوجه الذي تُحْمَدُ عاقبتُه ، بل يقع على ما تَضُرُّ عاقبتُه أو لا تنفع ، كما قال عز وجل :
(( اعْلَمُوا أنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ )) الحديد/20 .















~◘ الحديثُ الخامِـس والثلاثـون ◘~
عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال : قال رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((
لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضُكم على بيع بعض ، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا ، المسلمُ أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله و لا يكذبه ولا يحقره ، التقوى هاهنا ويُشيرُ إلى صدره ثلاثَ مرات ، بِحَسْبِ امريءٍ مِن الشر أن يَحقِرَ أخاه المسلم ، كُلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم .



فقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( لا تحاسدوا )) : يعني لا يحسد بعضكم بعضًا ، والحسد مَركوزٌ في طِباع البشر ، وهو أنَّ الإنسانَ يكره أنْ يَفوقه أحدٌ مِن جنسه في شيءٍ مِن الفضائل .

♦️---•---♦️

ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسـام :

فمنهم
مَن يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفِعل .

♦️---•---♦️

ثم منهم مَن يسعى في نقل ذلك إلى نفسه .

♦️---•---♦️

ومنهم مَن يسعى في إزالته عن المحسود فقط مِن غير نقلٍ إلى نفسه ، وهو شرُّهُما وأخبثهما ، وهذا هو الحسد المذموم المنهىُّ عنه ، وهو كان ذنبَ إبليس حيث حسد آدم عليه السلام لَمَّا رآه قد فاق على الملائكةَ بأنْ الله خلقه بيده ، وأسجد له ملائكتَه ، وعلَّمه أسماءَ كُلِّ شيء ، وأسكنه في جواره ، فما زال يسعى في إخراجه مِن الجنة حتى أُخرِجَ منها .

♦️---•---♦️

وقسم آخر مِن الناس إذا حسد غيره لم يعمل بمُقتضى حسده ، ولم يَبغِ على المحسود بقولٍ ولا فِعل ، وقد رُوِىَ عن الحسن أنه لا يأثم بذلك .. وهـذا على نوعين :

- أحدهما : أنْ لا يُمكنه إزالة ذلك الحسد مِن نفسه ، فيكونُ مَغلوبًا على ذلك ، فلا يأثم به .

- والثاني : مَن يُحَدِّثُ نفسَه بذلك اختيارًا ، ويُعيده ويُبديه في نفسه مُستروحًا إلى تَمَنِّي زوال نعمة أخيه ، فهذا شبيهٌ بالعَزم المُصَمِّم على المعصية ، وفي العِقاب على ذلك اختلافٌ بين العلماء ، لكنْ هذا يَبعُد أنْ يَسلَمَ مِن البغي على المحسود ، ولو بالقول ، فيأثم بذلك .

♦️---•---♦️

وقسمٌ آخر : إذا حسد لم يَتَمَنَّ زوال نعمة المَحسود ، بل يسعى في اكتساب مِثل فضائله ، ويتمني أن يكون مثله ، فإنْ كانت الفضائل دنيوية فلا خير في ذلك ، كما الذين يُريدون الحياة الدنيا : (( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون )) القصص/79 .. وإنْ كانت فضائل دينية فهو حَسَن ، وقد تمنَّي النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الشهادةَ في سبيل الله عز وجل ، وفي الصحيحين عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا حسد إلا في اثنتين : رجلٌ آتاه الله مالاً ، فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النهار ، ورجلٌ آتاه الله القرآن ، فهو يقومُ به آناء الليل و آناء النهار )) ، وهذا هو الغِبطة ، وسمَّاه حسدًا مِن باب الاستعارة .

♦️---•---♦️

وقسم آخر : إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته ، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداء الإحسان إليه ، والدعاء له ، ونشر فضائله ، وفي إزالة ما وجد له في نفسه مِن الحسد ، حتى يبدله بمحبته أن يكون أخوه المسلم خيرًا منه وأفضل ، وهذا مِن أعلي درجات الإيمان ، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يُحِبُّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه .

♦️---•---♦️

وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
(( ولا تناجشوا )) : فسَّره كثيرٌ مِن العلماء بالنَّجْـش في البيع ، وهو أنْ يَزيد في السِّلعة مَن لا يُريدُ شراءها ؛ إمَّا لنفع البائع بزيادة الثمن له ، أو بإضرار المشتري بتكثير الثمن عليه ، وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه نهى عن النَّجْش .. وقال ابنُ أبي أوفي : { الناجِشُ آكِلُ رِبَا خائِن } ذكره البخارىُّ .. قال ابنُ عبد البر : { أجمعوا أنَّ فاعله عاصٍ لله عز وجل إذا كان بالنهي عالِمًا } .

♦️---•---♦️


ويُحتمَل أنْ يُفسَّرَ التناجش المنهىّ عنه في هذا الحديث بما هو أعم مِن ذلك ، فإنَّ أصلَ النَّجْش في اللغة : إثارة الشيء بالمكر والحيلة والمُخادعة ، ومنه من سُمِّىَ الناجِشُ في البيع ناجِشًا ، ويُسَمَّى "الصائد" في اللغة "ناجِشًا" لأنه يُثيرُ الصيدَ بحيلته عليه ، وخِداعه له ، وحينئذٍ فيكونُ المعنى : لا تتخادعوا ، ولا يُعامِل بعضكم بعضًا بالمكر والاحتيال ، وإنما يُراد بالمكر والمخادعة : إيصالُ الأذى إلى المسلم ؛ إمَّا بطريق الأصالة ، وإمَّا اجتلاب نفعه بذلك ، ويَلزم منه وصول الضرر إليه ودخوله عليه ، وقد قال الله عز وجل : (( وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيءُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )) فاطر/43 ، وفي حديث ابن مسعود عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن غَشَّنا فليس مِنَّا ، والمكرُ والخِداعُ في النار )) الصحيحة ...... فيدخل على هذا التقدير في التناجش المنهىِّ عنه : جميعُ أنواع المعاملات بالغِش ونحوه ؛ كتدليس العيوب وكتمانها ، وغِش المبيع الجيد بالرديء ، وغبن المُسترسل الذي لا يعرفُ المُماكسة ، وقد وصف الله في كتابه الكفار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم .
وإنَّما يَجوزُ المكرُ بمَن يجوزُ إدخالُ الأذى عليه ؛ وهم الكُفُّار المُحاربون ، كما قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الحربُ خُدعة )) مُتفق عليه .

















وقوله (( ولا تباغضوا )) : نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله ، بل على أهواء النفوس ، فإن المسلمين جعلهم اللهُ إخوة ، والإخوة يتحابون بينهم ولا تباغضون ، وقال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( والذي نفسي بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا ، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )) رواه مسلم .

وقوله(( ولا تدابروا )) : قال أبو عُبَيْد : التَّدابُر : المُصارمة والهجران ، مأخوذٌ مِن أنْ يُوَلِّىَ الرجلُ صاحبَه دُبُرَه ، ويُعرِض عنه بوجهه ، وهو التقاطع ... وخرَّج مُسلمٌ مِن حديث أنس عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا كما أمركم اللهُ )) وخرَّجه أيضًا بمعناه مِن حديث أبي هريرة عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ... وفي الصحيحين عن أبي أيوب عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا يَحِلُّ لمُسلمٍ أنْ يَهجُرَ أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان ، فيَصُدُّ هذا ، ويَصُدُّ هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )) مُتفقٌ عليه .. وخرَّج أبو داود من حديث أبي خراش السلمي عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( مَن هجر أخاه سَنةً فهو كَسَفْكِ دَمِهِ )) صحيح الجامع .

وكُلُّ هذا في التقاطع للأمور الدنيوية ، فأما لأجل الدين فتجوز الزيادة على الثلاثة ، نَصَّ عليه الإمامُ أحمد ، واستدل بقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا وأمر النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهُجرانهم لَمَّا خاف منهم النفاق ، وأباح هُجران أهل البدع المُغَلَّظة والدُّعاةِ إلى الأهواء .. وذكر الخَطَّابىُّ أنَّ هُجران الوالد لولده ، والزوج لزوجته ، وما كان في معنى ذلك تأديبًا ، تجوز الزيادةُ فيه على الثلاث ، لأنَّ النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هجر نساءه شهرًا .

قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( ولا يبع بعضُكم على بيع بعض )) : قد تكاثر النهىُ عن ذلك ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا يبيع الرجلُ على بيع أخيه ، ولا يخطب على خِطبة أخيه )) ، وفي رواية لمسلم : (( لا يَسُم المسلم على سَوْم المسلم ، ولا يخطب على خطبته )) .. وهذا دليلٌ على أنَّ هذا حقٌّ للمسلم على المسلم ، فلا يُساويه الكافِرُ في ذلك ، بل يجوزُ للمسلم أنْ يبتاع على بيع الكافر ، ويخطب على خِطبته ، وهو قول الأوزاعىِّ وأحمد ، كما لا يَثبت للكافر على المسلم حقُّ الشُّفْعَةِ عنده .. وكثيرٌ مِن الفقهاء ذهبوا إلى أنَّ النهىَ عَامٌّ في حق المسلم والكافر ، واختلفوا : هل النهىُ للتحريم أو التنزيه ؟ فمِن أصحابنا مَن قال : هو للتنزيه دون التحريم ، والصحيح الذي عليه جمهورُ العلماء : أنه للتحريم ... ومعنى البيع على بيع أخيه : أنْ يكونَ قد باع منه شيئًا ، فيبذل للمشتري سلعتَه ليشتريها ، ويَفسخ بيع الأول .

وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا )) : هكذا ذكره النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - كالتعليل لما تَقَدَّم ، وفيه إشارةٌ إلى أنهم إذا تركوا التحاسُدَ والتَّناجُشَ والتباغُضَ والتَّدابُرَ وبيع بعضهم على بعض ، كانوا إخوانًا .. وفيه أمرٌ باكتساب ما يصيرُ المسلمون به إخوانًا على الإطلاق ، وذلك يدخل فيه أداءُ حقوق المسلم على المسلم مِن رَدِّ السلام ، وتشميت العاطس ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، وإجابة الدعوة ، والابتداء بالسلام عند اللقاء ، والنُّصح بالغيب .

قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره )) : هذا مأخوذٌ مِن قوله عز وجل : (( إِنَّمَا المُؤْمِنُونُ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ))الحجرات/10 ، فإذا كان المؤمنون إخوةً ، أُمِرُوا فيما بينهم بما يُوجِبُ تآلفَ القلوب واجتماعها ، ونُهوا عما يُوجِبُ تنافُرَ القلوب واختلافها ، وهذا مِن ذلك .. وأيضًا فإنَّ الأخَ مِن شأنه أنْ يُوصِلَ إلى أخيه النفع ، ويَكُفَّ عنه الضرر ، ومِن أعظم الضرر الذي يجب كَفُّهُ عن الأخ المسلم الظلم ، وهذا لا يختص بالمسلم ، بل هو مُحَرَّمٌ في حَقِّ كُلِّ أحد .. ومِن ذلك : خذلان المسلم لأخيه ، فإنَّ المؤمن مأمورٌ أنْ ينصرَ أخاه ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ، قال : يا رسولَ الله أنصره مظلومًا ، فكيف أنصره ظالمًا ؟ قال : تمنعه مِن الظلم ، فذلك نصرك إيَّاه )) خرَّجه البخارىُّ بمعناه مِن حديث أنس ، وخرَّجه مُسلمٌ بمعناه مِن حديث جابر ... ومن ذلك : كذب المسلم لأخيه ، فلا يَحِلُّ له أن يُحَدِّثَه فيكذبه ، بل لا يُحَدِّثه إلا صِدقًا .. ومن ذلك : احتقار المسلم لأخيه المسلم ، وهو ناشئٌ عن الكِبْر ، كما قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الكِبُرُ بَطْرُ الحَقِّ وغَمْطُ الناس )) خرَّجه مسلم مِن حديث ابن مسعود ... وقال الله عز وجل : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُم وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ )) الحجرات/11 .. فالمتكبر ينظر إلى نفسه بعين الكمال ، وإلي غيره بعين النقص ، فيحتقرهم ويزدريهم ، ولا يراهم أهلاً لأنْ يقوم بحقوقهم ، ولا أنْ يقبل مِن أحدٍ منهم الحق إذا أورده عليه .
















وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( التقوى هاهنا )) ويشير إلى صدره ثلاث مرات : فيه إشارةٌ إلى أنَّ كَرَمَ الخلق عند الله بالتقوى ، فرُبَّ مَن يحتقره الناسُ لضعفه وقلة حظه مِن الدنيا ، وهو أعظم قدرًا عند الله تعالى مِمَّن له قَدرٌ في الدنيا ، فإنما الناسُ يتفاوتون بحسب التقوى ، كما قال الله تعالى : (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )) الحجرات/13 ، وسُئِلَ النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن أكرم الناس ؟ قال : أتقاهم لله عز وجل )) مُتفقٌ عليه ، وفي حديثٍ آخر : (( الكرمُ التقوى ))صحيح : الترمذىّ .. والتقوى أصلها في القلب ، كما قال الله تعالى : (( ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ )) الحج/32 .
وإذا كان أصلُ التقوى في القلوب ، فلا يَطِّلعُ منكم أحدٌ على حقيقتها إلاَّ الله عز وجل ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( إنَّ الله لا ينظرُ إلى صوركم ، ولا إلى أموالكم ، ولكنْ ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم )) رواه مسلم .. وحينئذٍ فقد يكونُ كثيرٌ مِمَّن له صورةٌ حسنة أو مالٌ أو جاهٌ أو رياسةٌ في الدنيا قلبُه خرابٌ مِن التقوى ، ويكونُ مَن ليس له شيءٌ مِن ذلك قلبُه مملوءًا مِن التقوى ، فيكونُ أكرمَ عند الله تعالى ، بل ذلك هو الأكثر وقوعًا ، كما في الصحيحين عن حارثة بن وَهب عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( ألَا أخبركم بأهل الجنة ؟ كُلُّ ضعيفٍ مُتضَعَّفٍ لو أقسم على الله لأبره ، ألَا أخبركم بأهل النار ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُستكبِر )) مُتفقٌ عليه .

قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( بِحَسْبِ امرئٍ مِن الشر أنْ يَحقِرَ أخاه المسلم )) : يعني يكفيه مِن الشر احتقارُ أخاه المسلم ، فإنه إنما يَحتقِرُ أخاه المسلم لتكبُّره عليه ، والكِبْرُ مِن أعظم خِصال الشر ، وفي صحيح مسلم عن النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه قال : (( لا يدخل الجنةَ مَن في قلبه مِثقالُ ذرةٍ مِن كِبْر )) .

قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( كُلُّ المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعِرضُه )) : وهذا مِمَّا كان النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يَخطبُ به في المجامع العظيمة ، فإنه خطب به في حَجَّةِ الوداع يوم النحر ، ويوم عرفة ، واليوم الثاني مِن أيام التشريق ، وقال : (( إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ ، كحُرمةِ يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا )) ، وفي روايةٍ للبُخارىِّ وغيره : (( وأبشاركم )) .

وفي سُنن أبي داود عن بعض الصحابة أنهم كانوا يسيرون مع النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فنام رجلٌ منهم ، فانطلق بعضهم إلى حبلٍ معه ، فأخذها ، ففَزِع ، فقال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( لا يَحِلُّ لمُسلمٍ أنْ يُرَوِّعَ مُسلمًا )) صحيح الجامع .

وخرَّج أحمد وأبو داود والترمذىُّ عن السَّائِب بن يزيد ، عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا يأخذُ أحدكم عصا أخيه لاعبًا جادَّاً ، فمَن أخذ عصا أخيه ، فليَرُدَّها إليه ))حسن : أبو داود .
قال أبو عُبَيْد :
يعني أن يأخذ متاعَه لا يُريدُ سرقتَه ، إنما يُريدُ إدخالَ الغيظ عليه ، فهو لاعِبٌ في مذهب السرقة ، جادٌّ في إدخال الرَّوْعِ والأذى عليه .

قال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز : ‹‹ اجعل كبيرَ المسلمين عندك أبًا ، وصغيرَهم ابنًا ، وأوسطَهم أخًا ، فأىّ أولئك تُحِبُّ أنْ تُسِيء إليه ؟! ›› .
ومِن كلام يَحيى بن مُعاذ الرازي : ‹‹ ليكن حَظُّ المؤمن منك ثلاثة : إنْ لم تنفعه فلا تَضُرَّه ، وإنْ لم تُفرِحه فلا تَغُمَّه ، وإنْ لم تمدحه فلا تَذُمَّه ›› .
















~◘ الحديثُ السادسُ والثلاثـون ◘~

عن أبي هريرة - رضى الله عنه - عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( مَن نفَّسَ عن مؤمن كُربةً مِن كُرَبِ الدنيا نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يوم القيامة ، ومَن يَسَّرَ على مُعسِرٍ يَسَّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة ، ومَن ستر مسلمًا ستره اللهُ في الدنيا والآخرة ، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومَن سلك طريقًا يلتمسُ فيه عِلمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة ، وما اجتمع قومٌ في بيتٍ مِن بيوتِ الله يتلون كتابَ اللهِ ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السكينةُ ، وغشيتهم الرحمةُ ، وحفتهم الملائكةُ ، وذكرهم اللهُ فيمَن عنده ، ومن بطَّأ به عملُه لم يُسرِع به نَسَبُه )) رواه مُسلمٌ بهذا اللفظ .


قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( مَن نَفَّسَ عن مؤمن كُربةً مِن كُرَبِ الدنيا ، نَفَّسَ اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يوم القيامة )) :هذا يَرجعُ إلى أنَّ الجزاءَ مِن جِنس العمل ، وقد تكاثرت النصوصُ بهذا المعنى ، كقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( إنَّما يَرحمُ اللهُ مِن عِباده الرُّحَمَاء )) مُتفَّقٌ عليه ، وقوله : (( إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الذين يُعَذِّبونَ النَّاسَ في الدنيا )) رواه مسلم .. والكُرْبَة : هي الشِّدَّةُ العظيمةُ التي تُوقِعُ صاحبَها في الكَرْب ، وتنفيسُها أنْ يُخَفِّفَ عنه منها ، مأخوذٌ مِن تنفس الخِناق ، كأنَّه يُرخي له الخِناق حتى يأخذ نَفَسًا ، والتفريج أعظم مِن ذلك : وهو أنْ يُزيلَ عنه الكُرْبَةَ ، فتنفرج عنه كُربتُه ، ويَزولُ هَمُّه وغمُّه ، فجزاءُ التنفيس التنفيس ، وجزاءُ التفريج التفريج .



وقوله (( كُربَةً مِن كُرَبِ يوم القيامة )) : ولم يقل ( مِن كُرَبِ الدنيا والآخرة ) كما قال في التيسير والسّتر ، وقد قيل في مُناسبةِ ذلك : إنِّ الكُرَبَ هي الشدائد العظيمة ، وليس كُلُّ أحدٍ يَحصُلُ له ذلك في الدنيا ، بخِلافِ الإعسار والعورات المحتاجة إلى السّـتر ، فإنَّ أحدًا لا يكادُ يخلو في الدنيا مِن ذلك ، ولو بتعسُّر الحاجات المهمة ، وقيل : لأنَّ كُرَبَ الدنيا بالنسبةِ إلى كُرَبِ الآخرة لا شيء ، فادَّخَرُ اللهُ جزاءَ تنفيس الكُرَبِ عنده ، ليُنَفِّسَ به كُرَبَ الآخرة .




قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( ومَن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ ، يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرة )) : هذا أيضًا يَدلُّ على أنَّ الإعسارَ قد يحصل في الآخرة ، وقد وصف اللهُ يومَ القيامةِ بأنَّه يومٌ عسير ، وأنَّه على الكافرين غيرُ يسير ، فدلَّ على أنَّه يسيرٌه على غيرهم ، وقال : (( وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الكَافِرِينَ عَسِيرًا )) الفرقان/26 .. والتيسير على المُعْسِر في الدنيا مِن جِهةِ المال يكونُ بأحدِ أمرين ؛ إمَّا بإنظاره إلى المَيسرة ، وذلك واجبٌ ، كما قال تعالى : (( وِإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )) البقرة/280 ، وتارةً بالوضع عنه إنْ كان غريمًا ، وإلاَّ فبإعطائه ما يَزولُ به إعسارُه ، وكلاهما له فضلٌ عظيم .

وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( ومَن سَتَرَ مُسلمًا ، ستره اللهُ في الدنيا والآخرة )) : هذا مما تكاثرت النصوصُ بمعناه .

واعلـم أنَّ الناس على ضربين :
- أحدهما : مَن كان مستورًا لا يُعرَفُ بشيءٍ مِن المعاصي ، فإذا وقعت منه هَفوةٌ أو زَلَّةٌ ، فإنه لا يجوزُ كشفُها ولا هتكُها ولا التحدُّثُ بها ، لأنَّ ذلك غِيبةٌ مُحَرَّمَةٌ ، وهذا هو الذي ورد في النصوص ، وفي ذلك قد قال الله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرةِ )) النور/19 ، والمراد : إشاعةُ الفاحشةِ على المؤمن المُستتر فيما وقع منه ، أو اتُّهِمَ به وهو بريءٌ منه ، كما في قصةِ الإفك .. قال بعضُ الوزراء الصالحين لبعض مَن يأمر بالمعروف :‹‹ اجتهد أنْ تَسترَ العُصاة ، فإنَّ ظهورَ معاصيهم عَيْبٌ في أهل الإسلام ، وأولى الأمور سترُ العيوب ›› .. ومِثلُ هذا : لو جاء تائبًا نادمًا ، وأقَرَّ بحَدٍّ ، ولم يُفَسِّره ، لم يُسْتَفْسَر ، بل يُؤمَرُ بأنْ يَرجِعَ ويَسترَ نفسَه ، كما أمر النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ماعِزًا والغامدية ، وكما لم يستفسر الذي قال : ( أصبتُ حدًا فأقِمه عَلَىَّ ) .. ومِثلُ هذا : لو أُخِذَ بجريمته ، ولم يَبلغ الإمام ، فإنه يُشفع له حتى لا يَبلغ الإمام .. وفي مِثله جاء الحديثُ عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( أقيلوا ذوي الهيئاتِ عثراتِهم )) صحيح الجامع .

والثاني : مَن كان مُشتهرًا بالمعاصي ، مُعلِنًا بها ، لا يُبالي بما ارتكب منها ، ولا بما قيل له ، فهذا هو الفاجرُ المُعلِنُ ، وليس له غِيبة ، كما نَصَّ على ذلك الحسن البصرىِّ وغيرُه .. ومِثلُ هذا لا بأس بالبحث عن أمره ، لتُقامَ عليه الحدود ، صَرَّحَ بذلك بعضُ أصحابنا ، واستدلَّ بقول النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( واغدُ يا أُنَيس على امرأة هذا ، فإنْ اعترفت فارجُمها )) مُتفقٌ عليه . ومِثلُ هذا لا يُشفع له إذا أُخِذ ، ولو لم يَبلغ السُّلطان ، بل يُتركُ حتى يُقامَ عليه الحَد ، لينكَفَّ شَرُّه ، ويرتدعَ به أمثالُه ... قال مالِك : ‹‹ مَن لم يُعرَف منه أذى للناس ، وإنَّمَا كان منه زَلَّة ، فلا بأسَ أنْ يُشفَعَ له ما لم يبلغ الإمام ، وأمَّا مَن عُرِفَ بِشَرٍّ أو فساد ، فلا أُحِبُّ أنْ يَشفعَ له أحد ، ولكنْ يُتركُ حتى يُقامَ عليه الحَد ›› حكاه ابنُ المُنذر وغيره .


قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( ومَن سلك طريقًا يلتمسُ فيه عِلمًا ، سَهَّلَ اللهُ له به طريقًا إلى الجنة )) : وسلوكُ الطريق لالتماس العلم يدخل فيه سلوكُ الطريق الحقيقي ؛ وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء ، ويدخل فيه سلوكُ الطرق المَعنوية المُؤدية إلى حصول العلم ؛ مِثل حِفظه ، ودارسته ، ومُذاكرته ، ومُطالعته ، وكِتابته ، والتَّفَهُّم له ، ونحو ذلك مِن الطرق المعنوية التي يتوصَّلُ بها إلى العِلم .



قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( ومَن بَطَّأ به عملُه لم يُسرِع به نسبُه )) : معناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلغُ بالعبدِ درجاتِ الآخرة ، كما قال تعالى Sad( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )) الأنعام/132 ، فمَن أبطأ به عملُه أنْ يَبلغَ به المَنازِلَ العاليةَ عند اللهِ تعالى ، لم يُسرِع به نَسَبُه فيُبَلِّغه تلك الدرجات ، فإنَّ اللهَ تعالى رَتَّبَ الجزاءَ على الأعمال ، لا على الأنساب ، كما قال تعالى : (( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ )) المؤمنون/101، وقد أمر اللهُ تعالى بالمُسارعةِ إلى مَغفرتِه ورحمته بالأعمال ، كما قال تعالى : (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ والأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ والكَاظِمِينَ الغَيْظَ )) آل عمران/133-134 .
لَعَمْرُكَ مَا الإنسانُ إلَّا بدينهِ .. فلا تترك التَّقوَى اتِّكالاً على النَّسَبْ
لقد رفَعَ الإسلامُ سلْمانَ فارسٍ .. وقد وَضَعَ الشِّركُ الشَّقِىَّ أبا لَهَبْ
















~◘ الحديثُ التاسِـعُ والثلاثـون ◘~

عن ابن عباسٍ - رضى الله عنهما - أنَّ رسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( إنَّ اللهَ تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيانَ ، وما استُكرِهوا عليه )) حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما .


والأظهرُ - واللهُ أعلم - أنَّ الناسي والمُخطِئ إنَّما عُفِىَ عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما ، لأنَّ الأمرَ مُرَتَّبٌ على المقاصد والنِّيَّات ، والناسي والمُخطِئ لا قصدَ لهما ، فلا إثم عليهما . وأما رفعُ الأحكام عنهما فليس مُرادًا مِن هذه النصوص ، فيحتاجُ في ثبوتها ونفيها إلى دليلٍ آخر .















~◘ الحديثُ الأربعـون ◘~

عن ابن عمر - رضىَ اللهُ عنهما - قال : (( أخذ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بمنكبي فقال : كُنْ في الدنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابرُ سبيل )) ، وكان ابنُ عمر - رضى الله عنهما - يقول : ‹‹ إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخُذْ مِن صِحتك لمرضك ، ومِن حياتِك لموتِك ››رواه البخارىّ .

هذا الحديثُ أصلٌ في قِصَرِ الأمل في الدنيا ، وأنَّ المُؤمنَ لا ينبغي له أنْ يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا ، فيطمئن فيها ، ولكنْ ينبغي أنْ يكونَ فيها كأنَّه على جناح سفر ، يُهيِّئُ جهازه للرحيل .
وكان علىّ بنُ أبي طالب - رضى الله عنه - يقول :
‹‹ إنَّ الدنيا قد ارتحلت مُدبِرة ، وإنَّ الآخرةَ قد ارتحلت مُقبِلَة ، ولِكُلٍّ منهما بَنون ، فكونوا مِن أبناء الآخرة ، ولا تكونوا مِن أبناء الدنيا ، فإنَّ اليومَ عملٌ ولاحِساب ، وغدًا حِسابٌ ولا عمل ›› .

قال بعضُ الحكماء : ‹‹ عجِبتُ مِمَّن الدنيا مُولِّيَةٌ عنه ، والآخِرةُ مُقبِلَةٌ إليه ، يَشغِلُ بالمُدبرة ، ويُعرِضُ عن المُقبِلة ›› .

قال الحسن : ‹‹ المُؤمنُ في الدنيا كالغريب ، لا يَجزعُ مِن ذُلِّها ، ولا يُنافِسُ في عِزِّها ، له شأنٌ ، وللناس شأن ›› .

وما أحسن قول يَحيى بن مُعاذ الرازي : ‹‹ الدنيا خَمْرُ الشيطان ، مَن سَكِرَ منها لم يُفِق إلاَّ في عسكر الموتى نادِمًا مع الخاسرين ›› .

وقال بعضُ الحكماء : ‹‹ كيف يفرحُ بالدنيا مَن يومُه يَهدِمُ شهرَه ، وشهرُه يَهدِمُ سَنَتَه ، وسَنَتُه تَهدِمُ عُمره ، وكيف يفرحُ مَن يقوده عُمره إلى أجله ، وتقوده حياتُه إلى موته ›› .

وقال الفُضيل بنُ عِياض لرجل : ‹‹ كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة ، قال : فأنتَ منذ ستين سنةً تسيرُ إلى رَبِّك يُوشِكُ أنْ تبلغ ، فقال الرجل : إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون ، فقال الفضيل : أتعرفُ تفسيره ؟ تقول : أنا لله عبدٌ وإليه راجِع ، فمَن علِمَ أنَّه لله عبد ، وأنَّه إليه راجع ، فليعلم أنَّه مَوقوف ، ومَن علِمَ أنَّه مَوقوف ، فليعلم أنَّه مَسئول ، ومَن علِمَ أنَّه مَسئول ، فليُعِدّ للسؤال جوابًا ، فقال الرجل : فما الحِيلة ؟ قال : يسيرة ، قال : ما هي ؟ قال : تُحسِن فيما بقي يُغفَر لك ما مضى ، فإنَّكَ إنْ أسأتَ فيما بقي ، أُخِذتَ بما مضي وبما بقي ›› .

قال بعضُ الحكماء : ‹‹ مَن كانت الليالي والأيامُ مَطاياه ، سارت به وإنْ لم يَسِر ›› .

نسـيرُ إلى الآجالِ في كُلِّ لَحظةٍ .. وأيامُنا تُطوَى وهُنَّ مَراحِـلُ
ولـم أرَ مِثـلَ المـوتِ حقًا كأنَّه .. إذا ما تخطَّته الأماني باطِـلُ
وما أقبحَ التفريط في زمن الصِّبَا .. فكيف به والشيبُ للرأس شاعِلُ
ترحَّـل مِن الدنيا بزادٍ مِن التُّقَى .. فعُمـرك أيَّـامٌ وهُـنَّ قلائِـلُ

إنَّـا لنفـرحُ بالأيَّـامِ نقطعُهـا .. وكُلُّ يومٍ مَضى يُدني مِن الأجـلِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مُجتهِدًا .. فإنَّما الرِّبْحُ والخُسرانُ في العملِ















~◘ الحديثُ الحادي والأربعـون ◘~

عن أبي محمدٍ عبدالله بن عمرو بن العاص - رضى الله عنهما - قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( لا يُؤمِنُ أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جِئتُ به )) حديثٌ حَسَنٌ صحيح رويناه في كتاب الحُجَّةِ بإسنادٍ صحيح .


فالواجبُ على كُلِّ مُؤمنٍ أنْ يُحِبَّ ما أحبَّه اللهُ مَحَبَّةً تُوجِبُ له الإتيانَ بما وجب عليه منه ، فإنْ زادت المَحَبَّةُ حتى أتى بما نُدِبَ إليه منه كان ذلك فضلاً ، وأنْ يكره ما كرهه اللهُ تعالى كراهةً تُوجِبُ له الكَفَّ عَمَّا حَرَّمَ عليه منه ، فإنْ زادت الكراهةُ حتى أوجبت الكَفَّ عَمَّا كرهه تنزيهًا كان ذلك فضلاً . وقد ثبت في الصحيحين عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال : (( لا يُؤمِنُ أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه مِن نفسِهِ وولدِهِ وأهلِهِ والناسِ أجمعين )) ، فلا يكونُ المؤمنُ مؤمنًا حتى يُقَدِّمَ مَحَبَّةَ الرسول على مَحَبَّةِ جميعِ الخلق ، ومَحَبَّةُ الرسول تابعةٌ لمَحَبَّةِ مُرسِلِهِ .

والمَحَبَّةُ الصحيحةُ تقتضي المُتابعة والمُوافقة في حُبِّ المُحبوبات وبُغض المَكروهات .

قال أبو يعقوب النَّهْرجُورىّ : ‹‹ كُلُّ مَن ادَّعى مَحبةَ اللهِ عَزَّ وجلَّ ، ولم يُوافِق اللهَ في أمره فدعواه باطِلة ، وكُلُّ مُحِبٍّ ليس يَخافُ اللهَ فهو مغرور ›› .
♦️---•---♦️
وقال يَحيى بن مُعاذ : ‹‹ ليس بصادقٍ مَن ادَّعى مَحبةَ اللهِ عَزَّ وجلَّ ولم يحفظ حدوده ›› .

تعصي الإلهَ وأنتَ تزعمُ حُبَّه .. هذا لعَمْري في القياس شنيعُ
لو كان حُبُّكَ صادقـًا لأطعتَه .. إنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيـعُ



















~◘ الحديثُ السادِسُ والأربعـون ◘~

عن أبي بُردةَ عن أبيه أبي موسى الأشعرىّ أنَّ النبىَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بعثه إلى اليمن ، فسأله عن أشربةٍ تُصنَعُ بها ، فقال : (( وما هي ؟)) ، قال : البِتْعُ والمِرْزُ ، فقيل لأبي بُردة : وما البِتْعُ ؟ ، قال : نبيذ العسل ، والمِرْزُ : نبيذ الشعير ، فقال : (( كُلُّ مُسكِرٍ حرام )) خرَّجه البخارىّ .. وخرَّجه مُسلمٌ، ولفظه قال : بعثني رسولُ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أنا ومُعاذًا إلى اليمن ، فقلتُ : يا رسولَ الله ، إنَّ شرابًا يُصنَعُ بأرضنا يُقالُ له : المِرْزُ مِن الشعير ، وشرابٌ يُقالُ له : البِتْعُ مِن العسل ، فقال : (( كُلُّ مُسكِرٍ حرام )) ، وفي روايةٍ لمُسلم فقال : (( كُلُّ ما أسكر عن الصلاةِ فهو حرام )) ، وفي روايةٍ له قال : وكان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قد أُعطِىَ جوامعَ الكَلِم بخواتِمه ، فقال : (( أنهى عن كُلِّ مُسكِرٍ أسكر عن الصلاة )) .


هذا الحديثُ أصلٌ في تحريم تناول جميع المُسكِرات المُغَطِّيَة للعقل .

ولهذا قال طائفةٌ مِن السَّلَف : إنَّ شاربَ الخمر تَمُرُّ عليه ساعةٌ لا يَعرِفُ فيها رَبَّه ، واللهُ سبحانه إنَّما خلق الخلق ليعرفوه ، ويذكروه ، ويعبدوه ، ويُطيعوه ، فما أدَّى إلى الامتناع مِن ذلك وحال بين العبد وبين معرفة رَبِّه وذكره ومُناجاته ، كان مُحَرَّمًا وهو "السُّكْر" ، وهذا بخِلافِ النوم ، فإنَّ اللهَ تعالى جَبَلَ العَبادَ عليه ، واضطرهم إليه ، ولا قِوامَ لأبدانهم إلَّا به ، إذ هو راحةٌ لهم مِن السعي والنَّصَب ، فهو مِن أعظم نعم الله على عباده . فإذا نام المُؤمنُ بقدر الحاجة ، ثم استيقظ إلى ذكر الله ومناجاته ودعائه ، كان نومُه عونًا له على الصلاةِ والذكر . ولهذا قال مَن قال مِن الصحابة : ‹‹ إني أحتسِبُ نومتي كما أحتسِبُ قومتي ›› .

واعلم أنَّ المُسكِرَ المُزيلَ للعقل نوعان :

- أحدهما : ما كان فيه لَذَّةٌ وطَرَب، فهذا هو الخَمْرُ المُحَرَّمُ شُربه .. قالت طائفةٌ مِن العلماء : وسواءٌ كان هذا المُسكِر جامِدًا أو مائِعًا ، سواءٌ كان مَطعومًا أو مَشروبًا ، وسواءٌ كان مِن حَبٍّ أو ثَمَرٍ أو لَبَنٍ أو غير ذلك ، وأدخلوا في ذلك الحشيشةَ التي تُعمَلُ مِن ورق القِنّب ، وغيرها مِمَّا يُؤكلُ لأجل لَذَّتِه وسُكره .
♦️---•---♦️
- والثاني : ما يُزيلُ العقلَ ويُسكِر ، و لا لَذَّةَ فيه ولا طرب ؛ كالبِنْجِ ونحوه ، فقال أصحابنا : إنْ تناولَه لحاجةِ التداوي به ، وكان الغالبُ منه السلامة جاز . وإنْ تناولَ ذلك لغير حاجةِ التداوي ، فقال أكثرُ أصحانبا ؛ كالقاضي وابن عقيل وصاحب المُغني : إنَّه مُحَرَّمٌ لأنَّه تسبَّبَ إلى إزالةِ العقل لغير حاجة ، فحَرُمَ كشُرب المُسكِر .

وأماالحَـدُّ ، فإنَّما يَجِبُ بتناول ما فيه شِدَّةٌ وطَرَبٌ مِن المُسكِرات ، لأنَّه هو الذي تدعو النفوسُ إليه ، فجُعِلَ الحُـدُّ زاجِرًا عنه .. فأمَّا مَا فيه سُكرٌ بغير طَرَبٍ ولا لَذَّةٍ ، فليس فيه سِوَى التعزير ،لأنَّه ليس في النفوس داعٍ إليه حتى يحتاجَ إلى حَـدٍّ مُقَدَّرٍ زاجرٍ عنه ، فهو كأكل الميتة ولحم الخِنزير وشُرب الدم .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nareen.ace.st
N@r33N
Admin
N@r33N


لوني المفضل : أرجواني
♣ مشَارَڪاتْي » : 235
♣ التسِجيلٌ » : 23/01/2013

فوائد من جامع العلوم و الحكم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فوائد من جامع العلوم و الحكم   فوائد من جامع العلوم و الحكم Emptyالثلاثاء يناير 29, 2013 10:36 am










~◘ الحديثُ السابِع والأربعـون ◘~

عن المِقدام بن مَعدِ يَكْرِب قال : سمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يقول : (( آدمىٌّ وِعاءً شَرَّاً مِن بطن ، بِحَسْبِ ابن آدم لُقَيْمَاتٌ يُقِمنَ صُلبَه ، فإنْ كان لا مَحالة ؛ فثُلُثٌ لطعامه ، وثُلُثٌ لشَرابِهِ ، وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ )) رواه الإمامُ أحمد والترمذىّ والنَّسَائىّ وابن ماجه.



وهذا الحديثُ أصلٌ جامِعٌ لأصولِ الطِّبِّ كُلِّها .













~◘ الحديثُ الثامِنُ والأربعـون ◘~

عن عبدالله بن عَمروٍ - رضى اللهُ عنه - عن النبىَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافِقًا خالِصًا ، وإنْ كانت خَصلةٌ مِنهُنَّ فيه كانت فيه خَصلةٌ مِن النِّفاقِ حتى يَدعها : إذا حَدَّثَ كَذَب ، وإذا وَعَدَ أخلَف ، وإذا خاصمَ فَجَر ، وإذا عاهَدَ غَدَر )) خرَّجه البخارىّ ومُسلم .


وهو [ النِّفاقُ ] في الشرع ينقسمُ إلى قِسمين :

- أحدهما : النِّفاقُ الأكبر، وهو أنْ يُظهِرَ الإنسانُ الإيمانَ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليوم الآخر ، ويُبطِنَ ما يُناقِضُ ذلك كُلَّه أو بَعضَه ، وهذا هو النِّفاقُ الذي كان على عهد النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ونزل القرآنُ بِذَمِّ أهلِهِ وتكفيرهم ، وأخبر أنَّ أهلَه في الدَّركِ الأسفل مِن النار .
♦---•---♦
- والثاني : النِّفاقُ الأصغر ، وهو نِفاقُ العمل ، وهو أنْ يُظهِرَ الإنسانُ علانيةً صالحةً ، ويُبطِنَ ما يُخالِفُ ذلك .















~◘ الحديثُ التاسِعُ والأربعـون ◘~

عن عُمر بن الخطاب - رضى الله عنه - عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( لو أنَّكم تَوَكَّلُونَ على اللهِ حَقَّ تَوَكُلِّهِ ، لرزقكم كما يَرزقُ الطيرَ ، تغدو خِمَاصًا ، وتروحُ بِطانًا )) رواه الإمامُ أحمد والترمذىّ والنَّسَائىّ وابنُ ماجه وابنُ حِبَّان والحاكِمُ وقال الترمذىّ حسن صحيح .

هذا الحديثُ أصلٌ في التَّوَكُّل ، وأنَّه مِن أعظم الأسبابِ التي يُستَجلَبُ بها الرِّزق ، قال الله عَزَّ وجَلَّ : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه )) الطلاق/2-3 .


قال بعضُ السَّلَف : بِحَسبِكَ مِن التَّوَسُّل أنْ يَعلمَ مِن قلبِكَ حُسنَ تَوَكُّلِكَ عليه ، فكم مِن عبدٍ مِن عباده قد فوَّضَ إليه أمره ، فكفاه منه ما أهمَّه ، ثم قرأ : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ )) الطلاق/2-3 .. وحقيقةُ التَّوكُّل : هو صِدقُ اعتمادِ القلبِ على اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في استجلابِ المَنافِع ، ودفع المَضَار مِن أمور الدينا والآخرة كلها . وكِلَةُ الأمور كلها إليه ، وتحقيقُ الإيمان بأنَّه لا يُعطي ولا يَمنع ولا يَضُرُّ ولا ينفع سواه .....

واعلم أنَّ تحقيقَ التَّوكُّل لا يُنافي السعى في الأسباب التي قَدَّرَ اللهُ سبحانه المَقدورات بها ، وجَرَت سُنَّتُه في خلقه بذلك ، فإنَّ اللهَ تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتَّوكُّل ، فالسعى في الأسباب بالجوارح طاعةٌ له ، والتَّوكُّلُ بالقلب عليه إيمانٌ به ، كما قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ )) النساء/71 ، وقال : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ )) الأنفال/60 ، وقال : (( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ )) الجمعة/10 .. وقال سهل التُّسترى : ‹‹ مَن طَعَنَ في الحركةِ - يعني في السعى والكسب - فقد طَعَنَ في السُّنَّة ، ومَن طَعَنَ في التَّوكُّل فقد طَعَنَ في الإيمان ، فالتَّوكُّلُ حالُ النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، والكَسبُ سُنَّتُه ، فمَن عَمِلَ على حالِهِ فلا يَتركَنَّ سُنَّتَه ›› .
















~◘ الحديثُ الخمسـون ◘~

عن عبدالله بن بُسرٍ قال : أتى النبىَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - رجلٌ ، فقال : يا رسولَ الله ، إنَّ شَرائِعَ الإسلام قد كَثُرَت علينا ، فبابٌ نَتَمَسَّكُ به جامِعٌ ؟ قال : ((لا يَزالُ لسانُكَ رطبًا مِن ذِكرِ الله عَزَّ وَجَلَّ)) خرجه الإمامُ أحمد بهذا اللفظ .



قال مالِكُ بنُ دينار :‹‹ ما تلذَّذَ المُتلذذون بمِثل ذِكر اللهِ عَزَّ وَجلَّ ›› .

♦---•---♦

قال ذو النون : ‹‹ ما طابت الدنيا إلَّا بذِكره ، ولا طابت الآخِرةُ إلَّا بعفوه ، ولا طابت الجنة إلَّا برؤيته ›› .


















تنبيهات على بعض الأحاديث :
________________


1- الحديث الثامن عشر :
قال ابن رجب الحنبلىّ : وما وقع في بعض النُّسَخ مِن تصحيحه فبعيد .

2- الحديث التاسع عشر :
الرواية الثانية ضعيفة .

3- الحديث الثلاثون :
ضعَّفه الألبانىُّ في ( ضعيف الجامع ) .
والحديث الصحيح :
عن أبي الدرداء ، عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( ما أحلَّ اللهُ في كتابه فهو حلال ، وما حَرَّمَ فهو حرام ، وما سَكَتَ عنه فهو عفو ، فاقبلوا مِن الله عافيتَه فإنَّ اللهَ لم يكن لينسى شيئًا ، ثُمَّ تلا هذه الآية : ‹‹ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيَّاً ›› مريم/64 )) الصحيحة .

4- الحديث الحادي والأربعون :
قال ابنُ رجب الحنبلىّ : يُريد بصاحب " الحُجَّة " الشيخ أبا الفتح نصر بن إبراهيم المَقدسىّ الشافعىّ الفقيه الزاهد نزيل دِمشق ، وكتابُه هذا هو كتاب ( الحُجَّة على تارِك المَحَجَّة ) يتضمَّن ذِكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسُّنَّة .
~~
وهـذا الحديث ضعَّفه الألبانىُّ في ( مِشكاة المصابيح ) .
والحديث الصحيح :
ما ثبت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصحيحين أنَّه قال : (( لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أَحَبَّ إليه مِن نفسه وولدِه وأهلِهِ والنَّاسِ أجمعين )) .









وبهذا تم ما قد بدأناه انا واخي الفاضل العميد
من جامع العلوم والحكم

من روائع ابن رجب رحمه الله تعالى ،
وجزاه الله عَنَّا خيرَ الجزاء ..

نتمنى من الله العلي القدير
ان ينفع بهذا الموضوع
وان تعم الفائده على الجميع


دعواتُكم بظهر الغيب ، ليقولَ لَكم المَلَك : ولَكُم بمِثل .


وفقنا اللهُ وإيَّاكُم لِمَا يُحِبُّ ويرضى ..
ازكى الامنيات واطيبها لكم من ...

اخوكم
العميد

اختكم
حلم الاماني


.رعاكم الله

المصدرالمصدر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nareen.ace.st
 
فوائد من جامع العلوم و الحكم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
nareen :: مجلس صفوة الخلق (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )-
انتقل الى: