حديث: اللهمَّ لا عيش إلا عيش الآخرة
شرح سبعون حديثًا (41)
هذه الصورة مصغره ... إنقر هنا لعرضها بالمقاس الحقيقي ... المقاس الحقيقي 679x680 .
41- عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ لا عيش إلا عيش الآخرة))؛ متفق عليه.
إننا نعيش في هذه الدنيا إلى أجَلٍ معدود، وإن الدنيا بأكملها بزينتها وزُخرفها، لا تساوي عند الله جَناح بعوضة، وهي أيضًا مطبوعة على النقص، فلا تمام لشيء فيها أبدًا، فلا سعادة تدوم لصاحبها، ولا غنى يدوم لصاحبه، ومهما ذاق العبد فيها حلاوة، فإنها زائلة من بين يديه، أو هو سيزول عنها، إلا حلاوة الطاعة والإيمان؛ فهي الباقية إلى يوم الدين، وهي التي تنفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم.
ونحن لو نعلم ذلك يقينًا، لَما تسارعنا وتسابقنا في جمعها، بل وتفاخرنا وتحاقَدنا وتحاسدنا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45].
هل من عاقلٍ يجعل همَّه أن يجمع الهشيم في يديه والرياح على أشدها، فلا الهشيم له قيمة ولا هو سيبقى له؟!
لحظة، لنتذكَّر ما هو أهم، إنها ليست فقط ستزول فلا يبقى أثر، كلاَّ، بل إنها مسجلة في كتابنا عند الله؛ ﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ﴾ [القمر: 53].
فكل ما نتفانى في الحرص عليه والاستزادة منه من متاعها الوضيع، سنُسأل عنه كله، أفلا يَجدر بنا أن نَحمل همَّ هذه اللحظة؟! أفلا يَحِق أن نُخفف ما استطعنا من هذه الأحمال، أن نُخفف على أنفسنا طول الحساب وشِدَّته، أن نُنقيَ بالنا المشغول بها والملهوف عليها، ونَملأَه بما يُقربنا للجنة؟!
إن ما نراه في حياتنا اليومية ورغبة كل أحد أن يكون أفضل من غيره، وأجمل، وما عنده أكثر، ليس في الأعمال الصالحة وفي التقوى، ولكن في اللباس والأغراض والمكانة وبكلمة شاملة [الدنيا].
هل هذا هو حال مَن أيقن بحقارة الدنيا، ومِن ثَمَّ زوالها؟ أم هو حال من أيقن بأنه سيحاسب على كل خُطوة ونظرة، وأكلة وشربة؟! أو هو حال من أيقن بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى؟!
لا يغرنَّكم تسابُق المتسابقين عليها؛ فهي بحْرٌ سالكه في غفلة وأعماقه الهلاك والضيعة، واطلبوا ما عند الله، واعملوا له في الدنيا؛ فهي ساحة البذل والعناء، ودَعُوا عنكم الكدَّ في جمْعها؛ فذلك الخِذلان والخسران، والله أعلم.